كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)

"""""" صفحة رقم 181 """"""
والكرج ، والروس ، وغيرهم من طوائف تلك البلاد ، وأنه وصل إلى بلاد خلاط ، فلم يتمكن السلطان من جمع العساكر لبعدها ، وقرب العدو ، فسيّر أثقاله مع نظام الملك إلى همذان ، وسار هو ، فيمن معه من العسكر ، وهم خمسة عشر ألف فارس ، وجد في السير ، وجعل له مقدمة ، فالتقت بمقدمة العدو ، وهم عشرة آلاف فارس من الروس ، فقاتلوهم ، فانهزم الروس ، وأسر مقدمهم ، وحمل إلى السلطان ، فجدع أنفه ، وأرسل إلى ملك الروم يطلب منه المهادنة ، فأجاب : لا هدنة إلا بالري ، فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة ركب السلطان ، وقال لأصحابه : من أراد الانصراف ، فلينصرف ، فما ها هنا سلطان يأمر وينهي ، وبكى ، وأبكى ، ورمى القوس والنشاب ، وأخذ السيف والدبوس ، وعقد ذنب فرسه بيده ، وفعل عسكره مثله ، ولبس البياض ، وتحنط ، وقال : إن قتلت ، فهذا كفني ، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وستين ، وزحف إلى الروم ، وزحفوا له ، فلما قاربهم ترجّل ، وعقر وجهه في التراب ، وبكى ، وأكثر من الدعاء ، ثم ركب وحمل ، فأعطى الله النصر للمسلمين ، فقتلوا من العدو ما لا يحصى كثرة ، وأسر ملك الروم ، أسره بعض غلمان كوهراتين ، ولم يعرفه ، وأراد قتله ، فقال له خدم معه : هذا الملك لا تقتله ، وكان هذا الغلام قد عرض على عضد الدولة ، فلميجز عرضه استحقاراً له ، فشكره كوهراتين ، فقال نظام الملك : عسى أن يأتينا بملك الروم أسيراً ، فكان كذلك ، فلما أسره الغلام أحضره إلى مولاه كوهراتين ، فأحضره إلى السلطان ، فضربه السلطان ثالث ضربات بالمقرعة ، وقال : ألم أرسل إليك في الهدنة ، فأبيت ، فقال : دعني من التوبيخ ، وافعل ما تريد ، فقال السلطان : ما عزمت أن تفعل بي إن أسرتني ؟ فقال : كنت أفعل كل قبيح ، قال : فما تظن أني أفعل معك ؟ فقال : إما أن تقتلني ، وإما أن تشهرني في البلاد ، والأخرى بعيدة ، وهي العفو ، وقبول الأموال ، واصطناعي باتباعك ، وقال : ما عزمت على غير هذا ، ففدى نفسه بألف ألف وخمسمائة ألف دينار ، وقطيعة في كل سنة ثلاثمائة ألف وستين ألف دينار ، وإطلاق كل أسير في بلاد الروم من المسلمين ، وأن ينفذ إليه عساكر الروم متى طلبها ، واستقر الأمر على ذلك ، وأنزله السلطان في خيمة ، وأطلق له جماعة من أُسر من البطارقة ، وخلع عليه من الغد ، وأرسل إليه عشرة آلاف دينار يتجهز بها ، وقام ملك الروم إلى جهة الخليفة ، وكشف رأسه ، وأومأ إلى الأرض بالخدمة ، ثم جهز السلطان معه عسكراً يوصله إلى مأمنه ، وشيّعه فرسخاً ،

الصفحة 181