كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)

"""""" صفحة رقم 182 """"""
وأما الروم فلما بلغهم خبر الوقعة وثب ميخائيل على المملكة ، وملك البلاد ، فلما وصل أرمانوس الملك إلى قلعة دوفنه ، بلغه الخبر ، فلبس الصوف ، وأظهر الزهد ، وأرسل إلى ميخائيل يعرفه ما تقرر بينه وبين السلطان ، فأجاب ميخائيل بإيثار ما استقر ، وجمع أرمانوس ما عنده من المال ، فكان مائة ألف دينار ، وطبق عليه جواهر بتسعين ألف دينار ، فحمل ذلك إلى السلطان ، وحلف أنه لا يقدر على غيره ، ومضى أرمانوس بمن معه إلى بلاد الأرمن ، فملكها ، وقتل ملكها ، وأرسل رأسه إلى بغداد ، ودعا للسلطان بها .
ذكر ملك أتسز بيت المقدس والرملة ودمشق
وفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة قصد أتسز بن أوق الخوارزمي ، وهو من أمراء السلطان ملكشاه ، فجمع الأتراك ، وسار إلى فلسطين ، ففتح الرملة ، وسار منها إلى بيت المقدس ، وحصره ، وفيه عساكر المصريين ، ففتحه ، وملك ما يجاورهما من البلاد ما عدا عسقلان ، وقصد دمشق ، فحصرها ، وتابع النهب لأعمالها حتى خربها ، وقطع الميرة عنها ، ولم يقدر عليها ، ثم فتحها في سنة ثمان وستين وأربعمائة في سلطنة ملكشاه في خلافة المقتدي ، وذلك أنه جعل يغير عليها في كل سنة ، ويقصد أعمالها عند إدراك المُغل ، فيقوى هو وعسكره ، ويضعف أهل دمشق وجندها ، ثم حصر دمشق في شهر رمضان سنة سبع وستين ، وأميرها يوم ذاك المعلّى بن حيدره من قبل المستنصر صاحب مصر ، فعجز عن فتحها ، فانصرف عنها في شوال ، واتفق أن أميرها المعلى أساء المسيرة مع الجند والرعية ، فثار به العسكر ، فهرب إلى بانياس ، ثم منها إلى صور ، ثم سار إلى مصر ، فحبس بها حتى مات ، ملما هرب من دمشق اجتمعت المصامدة ، وولوا عليهم انتصار بن يحيى المصمودي المعروف : بزوين الدولة ، واتفق وقوع غلاء شديد حتى أكل الناس بعضهم بعضاً ، ووقع الخلف بين المصامدة ، وبين أحداث البلد ، فعاد أتز إلى دمشق ، ونازلها في شعبان سنة ثمان وستين ، وحصرها حتى عدمت الأقوات ، فتسلمها عند ذلك بالأمان ، ودخلها بعسكره في ذي القعدة ، وخطب بها للمقتدى لخمس بقين من الشهر ، وعوض عنها انتصار بقلعة بانياس ، ومدينة يافا من الساحل .

الصفحة 182