كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)
"""""" صفحة رقم 187 """"""
فلما وقع ذلك كتب ابن الحبيبي مقدم حلب إلى السلطان ملكشاه يعلمه ذلك ، ويستدعيه ليتسلمها خوفاً من تتش صاحب دمشق ، فسار من أصفهان في جمادى الآخرة سنة ست وسبعين وأربعمائة ، وجعل طريقه على الموصل ، فوصل إليها في شهر رجب ، وسار منها إلى حرّان ، فسلمها إليه ابن الشاطر ، فأقطعها السلطان محمد بن شرف الدولة ، وسار إلى الرّها ، وهي بيد الروم ، فحصرها ، وملكها وسار إلى قلعة جعبر ، فحاصرها يوم وليلة ، وملكها ، وأخذ صاحبها جعبر ، وهو شيخ أعمى ، وولديه ، وكانت الأذية بهم عظيمة يقطعون الطريق ، ويلجئون إليها ، ثم عبر الفرات إلى مدينة حلب ، فملك في طريقه مدينة منبج ، فلما قارب حلب ورحل عنها أخوه تتش ، وكان قد ملك المدينة ، وسلك البرية ، ومعه الأمير أرتق ، فأشار عليه بكبس عسكر السلطان ، فامتنع ، وقال لا أكسر جاه أخي الذي أنا مستظل بظله ، فإنه يعود بالوهن عليّ ، وسار إلى دمشق ، ولما وصل السلطان إلى حلب تسلم المدينة والقلعة بعد امتنع مالك بن سالم بها ، ثم سلمها على أن يعوضه غيرها ، فعوضه قلعة جعبر ، فبقيت في يده ، ويد أولاده إلى أن أخذها منهم نور الدين محمود بن زنكي على ما نذكره إن شاء الله تعالى ، أرسل الأمير نصر بن علي بن منقذ الكناني صاحب شيزر إلى السلطان ، وبذل الطاعة ، وسلم إليه اللاذقية ، وكفر طاب ، وأقاميه ، فأجابه السلطان إلى المسالمة ، وترك قصده ، وأقر عليه شيزر ، ولما ملك السلطان حلب سلمها إلى قسيم الدولة آق سنقر ، وهو جد نور الدين الشهيد ، وقبل تسلمها في سنة ثمانين .
ذكر دخول ملكشاه بغداد
كان دخوله إلى بغداد في ذي الحجة سنة سبع وسبعين وأربعمائة بعد رجوعه من حلب ، وهو أوَّل دخوله إليها ، ونزل بدار المملكة ، وركب من الغد إلى الخليفة ، ولعب بالأكرة ، ومضى إلى الصيد هو ونظام الملك في البرِّية ، فاصطاد شيئا كثيرا من الوحوش والغزلان ، وغير ذلك ، وأمر ببناء منارة بقرون الغزلان ، وحوافر الحمر