كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)

"""""" صفحة رقم 191 """"""
القلنسوة معذوق بهذه الدواة ، وأن انفاقهما رباط كل رعية ، وسبب كل غنيمة ، ومتى أطبقت هذه زالت تلك . في كلام كثير قاله ، فلما خرجوا من عنده اتفقوا على كتمان ما قاله عن السلطان ، ومضى كل منهم إلى خيمته وجاء الجماعة بكرة النهار إلى السلطان ، فأخبروه عنه بالعبودية ، فقال لهم : إنه قال : كيت وكيت ، فأشاروا عند ذلك بكتمانه رعاية لحق نظام الملك ، ولعظم شأنه ، فإن مماليكه كانوا قد أنافوا على عشرين ألفاً غير الجند والأتباع ، فوقع التدبير عليه حتى قتل ، وظن السلطان أن الدنيا قد صغت له بعد ذلك ، فما عاش بعده إلا خمسة وثلاثين يوماً .
ذكر ابتداء حال نظام الملك وشيء من سيرته وأخباره
.
كان نظام الملك من أبناء الدهاقين بطوس ، فزال ما كان لأبيه من مال وملك ، وتوفيت والدة نظام الملك ، وهو يرضع ، فكان أبوه يطوف به على المراضع يرضعنه حسبة حتى شبّ وقرأ ، وتعلم العربية ، وتفقه ، وصار من الفضلاء ، وسمع الحديث الكثير ، وكان يطوق بلاد خراسان ، ووصل إلى غزنة في صحبة بعض المتصوفين ، ثم لزم أبا علي بن شادان متولي الأمور ببلخ لداود والد السلطان ألب أرسلان ، فحسُنت حاله معه ، وظهرت كفايته ، وأمانته ، وصار معروفاً عندهم بذلك ، فلما حضرت أبا على الوفاة أوصى ألب أرسلان به ، فولاه شغله ، ثم صار وزيراً له إلى أن ولي السلطنة ، وتنقل في الوزارة ، فكانت وزارته ثلاثين سنة . هذا أحد ما قيل في ابتداء أمره . وأما سيرته : فإنه كان عالماً أديباً جواداً كثير الحلم والصفح عن المذنبين ، وكان مجلسه عامراً بالفقهاء ، والفقراء ، وأئمة المسلمين ، وأهل الخير والصلاح . أمر ببناء المدارس في سائر الأمصار والبلاد ، وأجري لها الجرايات العظيمة ، وأسقط المكوس والضرائب ، وأزال لعن الأشعرية من على المنابر ، فإن الوزير عميد الملك الكندري كان قد حسّن للسلطان لعن الرافضة ، وأضاف إليهم الأشعرية ، وكان نظام الملك رحمه الله تعالى إذا سمع الأذان لا يبدأ بشيء قبل الصلاة ، وله من حسن الآثار ما هو موجود باق إلى وقتنا هذا رحمه الله تعالى .

الصفحة 191