كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)
"""""" صفحة رقم 192 """"""
ذكر وفاة السلطان ملكشاه وشيء من سيرته
.
كانت وفاته ببغداد في يوم الجمعة منتصف شوال سنة خمس وثمانين وأربعمائة ، وذلك أنه لما قتل الوزير نظام الملك كما قدمناه ، سار السلطان إلى بغداد ، فدخلها في الرابع والعشرين من شهر رمضان من السنة ، وخرج في أوائل شوال إلى ناحية دجيل للصيد ، فاصطاد وحشاً وأكل من لحمه ، فابتدأت به العلة ، فعاد إلى بغداد ، فتوفي ولم تشهد جنازته ، ولا صلي عليه في الصورة الظاهرة ، ولا هلب عليه ذنب فرس كعادة أمثاله من الملوك ، ولا لطم عليه وجه ، وحمل إلى أصفهان ، ودفن بها في مدرسة له موقوفة على طائفة الشافعية ، والحنفية .
قال : وكان مغرماً بالعمارة ، فحفر الكثير من الأنهار ، وعمر الأسوار على كثير من البلاد ، وصنع في طريقه مكة مصانع ، وكان كثير الصيد ، وكانت السبل في أيامه آمنة ساكنة تسير القوافل مما وراء النهر إلى أقصى الشام ، وليس معهما خفير ، وحكى محمد ابن عبد الملك الهمذاني ، أن السلطان لما توجه لحرب أخيه تكش اجتاز بمحمد علي بن موسى الرضا بطوس ، فدخل ومعه نظام الملك الوزير فصلياً ، وأطال الدعاء ، ثم قال لنظام الملك : بأي شيء دعوت قال : أن ينصرك الله ، ويظفرك بأخيك ، فقال : أما أنا ولم أدع بهذا ، وإنما قلت اللهم انصر نفعنا للمسلمين والرعية ، وحكى عنه حكايات تدل على محاسنه ، وجودته ، وخيره .
وكان قد قرر ملك البلاد لمماليكه ، فجعل غلامه برسق يحارب الروم ، فضايقهم حتى عليهم ثلاثمائة ألف وثلاثين ألف دينار جالية ، ثم توجه إلى القسطنطينية وحاصرها ، وقرر عليهم ألف ألف دينار ، وبنى قونية ، وقصراً ، وسير أخاه تاج الدولة تتش إلى دمشق ، وقسيم الدولة آق سنقر بحلب ، وغيرهم في كل جهة .