كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)
"""""" صفحة رقم 205 """"""
خبر وفاته ، وحمل إلى أصفهان ودفن بها ، وكان له من العمر خمسة وعشرون سنة ، ومدّة ملكه اثنتا عشرة سنة ، وأربعة اشهر ، وقاسى من الحرب والاختلاف ما قدمناه ، وكان حليما كريما صبورا عاقلا كثير المداراة حسن العفو لا يبالغ في العقوبة ، عفوه أكثر من عقوبته .
ذكر الخطبة لملكشاه بن السلطان بركياروق ببغداد
قد ذكرنا وصيِّة والده بالملك ، واستخلاف الأمراء ، وتقرير قواعده ، وإنفاذه إلى بغداد . قال : ولما جاء الخبر بوفاة أبيه ، سار به أتابكه الأمير إياز ، وإيلغازي شحنة بغداد ، ودخلا به إلى بغداد ، وخطب له بجوامعها في شهر بيع الآخر سنة ثمان وتسعين وأربعمائة ، ولقب بألقاب جدِّه جلال الدولة ، ونشرت الدنانير على الخطباء ، ثم قدم عمه السلطان محمد على ما نذكره .
ذكر أخبار السلطان محمد
هو غياث الدين أبو شجاع محمد طير يمين أمير المؤمنين ابن السلطان جلال الدولة ملكشاه ابن السلطان عضد الدولة ألب أرسلان محمد بن داود جغري بك بن ميكائيل بن سلجق ، وهو الخامس من ملوك الدولة السلجقية .
قد قدمنا من أخبار السلطان ، ووقائعه مع أخيه السلطان بركياروق وحروبه ، والخطبة له ببغداد مرة بعد أخرى ما يستغني عن إعادته ، ونحن الآن نذكر أخباره في سلطنته بعد وفاة أخيه . قال : لما مات السلطان بركياروق ، وخطب لولده ملكشاه ببغداد كما ذكرناه ، كان السلطان محمد إذ ذاك يحاصر جكرمش ، وسكمان القطبي ، وغيرهما من الأمراء ، وكان سيف الدلو صدفة صاحب الحلة قد جمع خلقاً كثيرا من العساكر بلغت عدتهم خمسة عشر ألف فارس ، وعشرة آلاف راجل ، وأرسل ولديه بدران ، ودبيس إلى السلطان محمد يستحثه على الحضور إلى بغداد ، فاستصحبهما معه ، فلما سمع الأمير إياز بمسيره إليه خرج هو والعسكر الذي معه من الدور ، ونصبوا الخيام بالزهراء خارج بغداد ، وجمع الأمراء ، واستشارهم فيما يفعله ، فبذلوا الطاعة واليمين على قتال السلطان ، ودفعه عن السلطنة ، والاتفاق على طاعة ملكشاه بن بركياروق ، وكان أشدهم ينال وصبارو ، فلما تفرقوا ، قال له وزيره الصفيّ أبو المحاسن : اعلم أن حياتي مقرونة بثبات نعمتك ودولتك ، وأنا أكثر التزاما بك من هؤلاء ، وليس الرأي ما أشاروا به ، فإن كل واحد منهم يقصد أن يسلك طريقا ، ويقيم سوقا لنفسه ، وأكثرهم يناوئك في المنزلة ، وإنما يقعد بهم عن منازعتك قلة العدد