كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)

"""""" صفحة رقم 206 """"""
والمال ، والصواب مصالحة السلطان محمد ، والدخول في طاعته ، وهو يقرك ما بيدك من الإقطاع ، ويزيدك عليه ما أردت ، فتردّد رأي الأمير إياز في الصلح إلا أنه يظهر المباينة ، وجمع السفن التي ببغداد ، وضبط المشارع من متطرق إلى عسكره ، أو إلى البلد ، ووصل السلطان محمد إلى بغداد في يوم الجمعة لثمان بقين من جمادى الأولى ، سنة ثمان وتسعين وأربعمائة ، ونزل بالجامع العربي ، وخطب بالجامع ، وأما جامع المنصور ، فإن الخطيب قال : اللهم أصلح سلطان العالم ، ولم يزد على ذلك ، وركب إياز في عسكره ، وهم عازمون على الحرب ، وسار حتى أشرف على عسكر السلطان محمد ، وعاد إلى مخيَّمه ، فدعا الأمراء إلى اليمين مرة ثانية على المخالصة لملكشاه ، فأجاب بعضهم ، وتوقف البعض ، وقالوا : قد حلفنا مرة ، ولا فائدة في إعادة اليمين لأنا إن وفينا بالأولى ، وفينا بالثانية ، فأمر إياز حينئذ وزيره الصفي أبا المحاسن بالعبور إلى السلطان محمد ، والمشي في الصلح ، وتسليم السلطنة إليه ، فعبر يوم السبت لسبع بقين من الشهر إلى عسكر محمد ، واجتمع بوزيره سعد الملك أبي المحاسن سعد بن محمد ، وعرّفه ما جاء فيه ، فأحضره إلى السلطان ، فأدى الرسالة ، واعتذر عن صاحبه ، فأجابه السلطان جوابا لطيفا ، وطيب نفسه ، وأجاب إلى اليمين ، فلما كان الغد حضر قاضي القضاة ، والنقيبان ، والصفي وزير إياز عند السلطان ، فقال له وزيره سعد الملك : إن إياز يخاف لما تقدم منه ، وهو يطلب العهد لنفسه ، وللأمراء الذين معه ، فقال السلطان : أما ملكشاه فلا فرق بينه وبين أخي ، وأما إياز والأمراء الذين معه ، فأحلف لهم أن لا ينال الحسامي وصبارو ، وحلف لهم ، فلما كان الغد حضر الأمير إياز إلى السلطان ، فلقيه الوزير ، وكافة الناس ، ووصل سيف الدولة صدفة في ذلك الوقت ، ودخلا جميعا إلى السلطان ، فأكرمهما ، وأحسن غليهما ، وقيل : بل ركب السلطان ، ولقيهما ، وأقام السلطان ببغداد إلى شعبان ، وسار إلى أصفهان على ما نذكره إن شاء الله تعالى .
ذكر قتل الأمير أياز
كان سبب ذلك أنه لما سلَّم السلطنة لمحمد ، وصار في جملة أصحابه ، عمل وليمة عظيمة في ثامن جماد الآخرة في داره ، ودعا السلطان غليها ، فجاء وقدم له إياز شيئا كثيرا ، من جملته حمل بلخش ، كان إياز قد أخذه من تركة مؤيد الملك بن نظام الملك ، وحضر الوليمة سيف الدولة صدقة بن مزيد ، فاتفق أن إياز تقدم إلى غلمانه بلبس السلاح ، ليعرضهم على السلطان ، فدخل إليهم رجل من أبهر كانوا يضحكون منه ، فألبسوه ذرعا تحت قميصه ، وتناولوه بأيديهم ، وهو يسألهم أن يكفوا

الصفحة 206