كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)

"""""" صفحة رقم 210 """"""
وظهر منه أمور أنكرها السلطان ، فتوجه السلطان إلى العراق ، ليتلافى هذا الأمر ، فلما سمع صدقة به ، استشار أصحابه فيما يفعله ، فأشار عليه ابنه دبيس أن ينفذه إلى السلطان ، ومعه الأموال والخيل والتحف ليستعطفه ، وأشار سعيد بن حميد صاحب جيش صدقة بحربه ، وجمع الجند ، وتفريق المال فيهم ، واستطال في القول ، فمال صدقة إلى قوله ووافقه ، وجمع العساكر ، فاجتمع له عشرون ألف فارس ، وثلاثون ألف راجل ، وأرسل الخليفة المستظهر بالله إلى الأمير صدقة ، يحذره عاقبة أمره ، وينهاه عن الخروج عن طاعة السلطان ، فأجاب : إنني على الطاعة ، لكن لا آمن على نفسي في الاجتماع به ، ثم أرسل السلطان إلى صدقة يطيب قلبه ، ويبسط ويزيل خوفه ، ويأمره بالانبساط على عادته ، فأجاب : إن أصحاب السلطان قد أفسدوا قلبه عليّ ، وغيروا حالي عنده ، وزال ما كان عليه في حقي من الإنعام ، وذكر سالف خدمته ومناصحته ، وقال سعيد بن حميد صاحب جيشه : لم يبق لنا في صلح السلطان مطمع ، وليرين خيولنا ببغداد ، وامتنع صدقة من الاجتماع بالسلطان ، وكان السلطان وصل إلى بغداد جريدة في خيل ، لا تبلغ ألفي فارس ، فأرسل إلى جيوشه ، فأتته من كل جهة ، وكررت الرسائل من الخليفة إلى صدقة ، وهو يجيب : إنني ما خالفت الطاعة ، ولا قطعت الخطبة ، وجهز ابنه دبيسا ، ليسير إلى السلطان ، فبينما هو في ذلك إذ ورد الخبر أن طائفة من عسكر السلطان ، قد وقعت الحرب بينهم وبين أصحاب صدقة ، وأن عسكر السلطان انهزم ، وأسر جماعة من أعيانهم ، فأخر صدقة ابنه ، ثم ترددت الرسائل من الخليفة إلى صدقة ، يقول : إن إصلاح قلب السلطان موقوف على إطلاق الأسرى ، ورد جميع ما اخذ من العسكر المنهزم ، فأجاب أولاً بالخضوع والطاعة ، ثم قال : لو قدرت على الرحيب من بين يدي السلطان لفعلت ، ولكن ورائي من يثقل ظهري : ثلثمائة امرأة لا يحملهن مكان ، ولو علمت أنني إذا جئت للسلطان مستسلما قبلني ، واستخدمني ، لفعلت ، ولكنني أخاف ألا يقبل عذري ، ولا يعفو ، وأما ما نهب فإن الخلق كثير ، وعندي من لا اعرفه ، وقد نهبوا ودخلوا البر ، ولا طاقة لي بهم ، لكن إن كان السلطان لا يعارضني فيما في يدي ، ولا فيمن أجرته ويقر سرخاب على إقطاعه بساوة ، ويتقدم بإعادة ما نهب من بلدي ، ويحلفه وزير الخليفة بما أثق به من الإيمان ، على المحافظة فيما بيني وبينه ، فحينئذ أخدم بالمال ، وأدوس بساطه بعد ذلك ، فعادت الرسائل بذلك مع أبي منصور بن معروف ، وأصر صدقة على قوله ، فعند ذلك سار السلطان في ثامن شهر رجب إلى

الصفحة 210