كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)

"""""" صفحة رقم 211 """"""
الزعفرانية ، وسار صدقة في عسكره إلى قرية مطر ، وأمر جنده بلبس السلاح ، واستأمن نائبه سلطان بن دبيس وهو ابن عم صدقة إلى السلطان ، فأكرمه ، وعبر السلطان إلى دجلة ، ولم يعبر هو ، فصاروا هو وصدقة في ارض واحدة ، بينهما نهر ، ولم يعبر هو ، فصاروا هم وصدقة في أرض واحدة ، بينهما نهر ، والتقوا في تاسع عشر شهر رجب ، وكانت الريح في وجه أصحاب السلطان ، فلما التقوا صارت في وجوه أصحاب صدقة ، ورمى الأتراك بالنشاب فكان يخرج في كل رشقة سبعة عشر ألف فردة ، لا تقع إلا في فارس أو فرس ، فكان أصحاب صدقة إذا حملوا منعهم النهر ، والنشاب يصل إليهم ، وحمل صدقة على الأتراك وجعل يقول : أنا صدقة ، أنا ملك العرب فأصابه سهم في ظهره ، وأدركه غلام اسمه برغش ، فتعلق في صدقة وهو لا يعرفه ، فسقطا جميعا إلى الأرض ، فعرفه صدقة ، وقال : يا برغش أرفق ، فضربه بالسيف ، فقتله ، وأخذ رأسه وحمله إلى البرسقي ، فحمله إلى السلطان ، فلما رآه عانقه ، وأمر لبرغش بصلة ، وبقي صدقة طريحا ، إلى أن سار السلطان ، فدفنه إنسان من المدائن ، وكان عمر صدقة تسعا وخمسين سنة ، وكانت إمرته إحدى وعشرين سنة ، وحمل رأسه إلى بغداد ، وقتل من أصحابه ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس ، وأسر ابنه دبيس ، وسرخاب بن كيخسرو الديلمي ، فأحضر بين يدي السلطان ، فطلب الأمان ، فقال السلطان : أنا عاهدت الله أني لا أقتل أسيرا ، فإن ثبت عليك أنك باطني قتلتك . قال : ونهب من أموال صدقة ما لا يحد ولا يوصف .
وكان له من الكتب المنسوبة الخطوط ألوف مجلدات ، وكان يقرأ ولا يكتب ، وكان جوادا حليما ، صدوقا ، كثير البشر والخير والإحسان ، يلقي لمن يقصده بالبشاشة والفضل ، ويبسط آمال قاصديه ، ويزورهم ، وكان عاقلا ، عفيفا ، دينا ، حاز الأوصاف الجميلة ، رحمه الله تعالى . قال : ولما قتل صدقة عاد السلطان إلى بغداد ، ولم يصل الحلة ، وأرسل أماناً لزوجة صدقة ، فأصعدت إلى بغداد ، فأطلق السلطان ابنها دبيسا ، وأنفذ معه جماعة من الأمراء لتلقيها ، فلما جاءت اعتذر السلطان إليها من قتل صدقة ، وقال : وددت لو أنه حمل إلي حتى كنت أفعل معه ما يعجب الناس منه ، لكن الأقدار غلبتني عليه ، واستحلف ابنها دبيسا أنه لا يسعى بفساد .

الصفحة 211