كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)
"""""" صفحة رقم 213 """"""
وكان مولد السلطان محمد في ثامن عشر من شعبان سنة أربع وسبعين ودعي له بالسلطنة ببغداد ، في الدفعة الأولى ، في يوم الخميس سابع عشر ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة ، وقطعت ، وأعيدت عدة دفعات كما قدمناه في أخبار بركياروق . وكانت مدة اجتماع الناس عليه بغير منازع ، منذ تسلم السلطنة من الأمير إياز أتابك ملكشاه بن بركياروق ، ثنتا عشرة سنة وسبعة أشهر . وأما سيرته فكان ملكا عادلا شجاعا ، حسن السيرة ، فمن جملة ذلك أنه اشترى مماليك من بعض التجار ، وأحالهم بالثمن على عامل خوزستان ، فأعطاهم البعض ، ومطلهم بما بقي ، فحضروا مجلس الحكم ، وأخذوا معهم الغلمان القاضي إلى السلطان ، ليحضر معهم إلى مجلس الحكم ، فلما رآهم ، قال لحاجبه : انظر حاجة هؤلاء فسألهم ، فقالوا : لنا خصم يحضر معنا إلى مجلس الحكم ، فقال : ما هو ؟ فقالوا : السلطان ؛ وذكروا قصتهم . فأعلمه الحاجب ذلك ، فأمر بإحضار العامل إليهم ، وغرمه غرما ثقيلا ، ونكل به ، ثم كان يقول بعد ذلك : ندمت ندامة عظيمة ، حيث لم أحضر معهم إلى مجلس الحكم ، فيقتدي بي غيري ، ولا يمتنع أحد عن الحضور إليه ، وأداء الحق ، ومن عدله أنه كان له خازن يعرف بأبي أحمد القزويني ، فقتله الباطنية ، فلما قتل أمر بعرض الخزانة عليه ، فعرضت ، فإذا درج فيه جوهر نفيس ، فقال : إن هذا الجوهر عرض عليَّ من أيام ، وهو في ملك أصحابه ، وسلمه إلى خادم له ، وأمر بتسليمه إليهم ، فسأل عنهم وكانوا غرباء وقد تيقنوا ذهاب مالهم ، وأيسوا منه ، فلم يطلبوه ، فأحضرهم وسلمه إليهم ، وأطلق المكوس والضرائب في جميع البلاد ، ولم يعلم منه فعل قبيح ، ولا عرف عنه ، وعلم الأمراء سيرته ، فلم يتجاسروا على الظلم ، وكفوا عنه .
وكان له من الأولاد : محمود ، وطغرل ، ومسعود ، وسليمان شاه ، وسلجق ، تولوا كلهم السلطنة إلا سلجق .
وزراؤه : مؤيد الملك بن نظام الملك . ثم سعد الملك أبو المحاسن ، إلى أن قتله ، ثم أحمد بن نظام الملك ، ثم خطير الملك ، وكان في نهاية الجهل ، فعزله بعد مدة ، وصادره ، وولي فيرهم ، وممن استوزره : ربيب الدولة أبو منصور بن أبي شجاع .
ولما توفي السلطان محمد انتقلت السلطنة من العراق إلى خراسان ، وذلك أن سنجر لم يبق في البيت أكبر منه ، فكان هو السلطان المشار إليه ، ولنذكر الآن أخباره ، لأنه كان ملكا في حياة أخيه ، وعظم شأنه ، واستولى على عدة ممالك ، فإذا انفضت دولته ، عدنا إلى ذكر أولاد محمد ، وغيرهم إن شاء الله تعالى .