كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)
"""""" صفحة رقم 218 """"""
الأمير منكبرش من العراق ، في عشرة آلاف فارس ، والأمير منصور بن صدقة أخو دبيس ، والأمراء البلخية ، وغيرهم ، وسار إلى همذان ، فبلغه وصول عمه سنجر إلى الري ، فسار نحوه ، وقصد قتاله فالتقيا بالقرب من ساده ، وكأن السلطان سنجر في عشرين ألفا ، ومعه ثمانية عشر فيلا ، ومحمود في ثلاثين ألفا ، وهم أكابر الأمراء ، ومعه تسعمائة حمل من السلاح ، فلما التقوا ضعفت نفوس الخراسانة ، لما رأوا من عسكر محمود من الكثرة والقوة ، فانهزمت ميمنة سنجر ، واختلط أصحابه ، وصاروا منهزمين لا يلوون على شيء ، ونهب من أثقالهم شيء كثير ، وقتل من أهل السواد خلق كثير ، ووقف السلطان سنجر بين الفيلة في جمع من أصحابه ، وبإذائه السلطان محمود ، ومعه أتابكه عز علي ، فلما تعاظم الأمر على سنجر ألجأته الضرورة أن يقدم الفيلة للحرب ، وكان من بقي معه أشاروا عليه بالهزيمة ، فقال ، إما النصر وإما القتل ، وأما الهزيمة فلا ، فلما تقدمت الفيلة نفرت منها خيل أصحاب محمود ، وقال لصحابه : لا تفزعوا الصبي بحملات الفيلة ، فكفوها عنهم ، وانهزم السلطان محمود ومن معه ، وأسر أتابكه عز علي ، وكان يكاتب السلطان ، ويعده أنه يحمل إليه السلطان محمود ، فعاتبه على تأخيره عن ذلك ، فاعتذر بالعجز ، فقتله ، قال : وتم الظفر للسلطان وأرسل من أعاد المنهزمين من أصحابه ، ونزل في خيام السلطان محمود ، وتراجع أصحابه إليه ، ووصل الخبر إلى بغداد في عشرة أيام ، وأرسل الأمير دبيس بن صدقة في الخطبة للسلطان سنجر ، فخطب له في السادس والعشرين من جمادى الأولى من السنة ، وقطعت خطبة محمود ، وأما محمود فإنه سار من موضع الكسرة إلى أصفهان ، وسار السلطان سنجر إلى همذان ، فرأى قلة عسكره واجتماع العساكر على ابن أخيه محمود ، فراسله في الصلح وكانت والدة السلطان سنجر تشير عليه بذلك ، وتقول له : إنك قد استوليت على غزنة وأعمالها ، وما وراء النهر ، وملكت البلاد ، فتركت الجميع لأصحابه ، فاجعل ولد أخيك كأحدهم ، فأجاب إلى قولها ، وراسل محمودا في الصلح ، وتحالفا ، وسار السلطان محمود إلى عمه السلطان سنجر ، فبالغ في إكرامه ، وحمل إليه محمود هدية عظيمة فقبلها ظاهراً ، وردها باطناً ، ولم يقبل منه سوى خمسة أفراس عربية ، وكتب السلطان سنجر إلى سائر الأعمال التي بيده ، خراسان ، وغيرها ، وغزنة ، وما وراء النهر ، بالخطبة للسلطان محمود بعده ، وكتب إلى بغداد بمثل ذلك ، وأعاد عليه جميع ما أخذ منه ، سوى الري ، وقصد بأخذها أن يكون له في هذه البلاد ، لئلا يحدث محمود نفسه بالخروج عن طاعته