كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)
"""""" صفحة رقم 34 """"""
ذكر فتح سومنات
وفي سنة ست عشرة وأربعمائة فتح يمين الدولة عدة حصون ومدن من بلاد الهند ، وأخذ الصنم المعروف بسومنات ، وهو اعظم أصنام الهند ، وكانوا يحجّون إليه كلَّ ليلة خسوف ، فيجتمع عنده ما ينوف على ألف إنسان ، وزعم الهنود أن الأرواح إذا فارقت الأجساد اجتمعت إليه فينشئها فيما ينشأ ، وان المدَّ والجزر غنما هو عادة للبحر ويحملون إليه كلّ علق نفيس ، ويعطون سدنته الأموال الجليلة ، وفيه من نفيس الجواهر ما لا تحصى قيمته ، وبينه وبين نهر الكنك الذي تعظِّمه الهنود نحو مائتي فرسخ يتحملون من ماء هذا النهر إلى سومنات ماء يغسل به كل يوم ، وعنده من البراهمة ألف رجل لعبادته ، وتقديم الورّاد إليه ، وثلثمائة رجل تحلق رؤس زواره ولحاهم ، وخمسمائة رجل ، وخمسمائة امرأة يغنّون ، ويرقصون على باب الصنم ، ولكٍّل منهم في كل يوم شيء معلوم ، وكان لسومنات من الضِّاع الموقفة عليه ما يزيد على عشرة آلاف ضيعةًّ . وقال وكان يمين الدولة كلما فتح فتحا من بلاد الهند ، وكسر أصناما ، تقول الهنود : إنا هذه الأصنام قد سخط عليها سومنات ، ولو أنه راضٍ عنها لأهلك من تقصدها بسوء . فلما بلغ ذلك يمين الدولة عزم على غزوه ، وإهلاكه لعل الهنود إذا فقدوه ، ورأوا دعاواهم باطلة دخلوا في دين الإسلام ، فاستخار الله تعالى ، وسار من غزنة في عاشر شعبان من هذه السنة في ثلاثين ألف رأس من عساكره سوى المتطوعة ، وسلك طريق الملتان فوصلها في منتصف شهر رمضان ، وفي طريقه إلى الهند قفارٌ لا تسلك ، لا ماء فيها ولا ميرة ، فحمل ما يحتاج إليه هو وعسكره ، وزاد بعد الحاجة عشرين ألف جمل ، يحملون الماء والميره ، وقصد أنهلوارة ، فلما قطع المفازة رأى في طريقها حصونا مشحونة بالرجال فيسَّر الله فتحها عليه ، وامتار منها ، وسار إلى أنهلوارة ، فوصلها في مستهل ذي القعدة ، فهرب عنها صاحبها المدعو نهيم ، وقصد حصناً له يحتمي به ، فاستولى يمين الدولة على المدينة وسار إلى سومنات ، فلقي في طريقه عدة حصون بها كثير من الأوثان تشبه الحجّاب والنقباء لسومنات ، فقاتل من بها ، وفتحها وخربهّا وكسر أصنامها ، وسار منها إلى مفازة قفز قليلة المياه ، قلقي فيها عشرين ألف مقاتل من سكانها لا يدينون لملك ،