كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)

"""""" صفحة رقم 60 """"""
الزحام ، فاغتنم الكركرية غفلتهم عن التحفظ ، فدخلوا على شهاب الدين ، فضربوه بالسكاكين اثنتين وعشرين ضربة ، فمات ، ودخل أصحابه عليه ، فوجدوه قتيلا على مصلاه ، وهو ساجد ، فقتلوا أولئك النفر الكركرية ، وقيل إن الذي قتله الإسماعيلية لخوفهم من خروجه إلى خراسان .
وكان رحمه الله شجاعاً مقداماً ، كثير الغزو إلى بلاد الهند ، عادلاً في رعيته ، حسن السيرة فيهما ، حاكماً بينهم بإحكام الشرع الشريف ، حكي عنه أنه لقي صبيا من العلويين عمره خمس سنين ، فدعا له الصبي ، وقال : لي خمسة أيام ما أكلت شيئا ، فعاد من الركوب لوقته والصبيُّ معه ، فنزل في داره ، وأطعمه من أطيب الطعام بحضرته ، وأعطاه مالا ، وسلَّمه إلى أبيه ، وفرق في العلويين مالا عظيما ، وكان شافعي المذهب رحمه الله تعالى .
ذكر ما اتفق بعد وفاة شهاب الدين
قال : ولما قتل شهاب الدين اجتمع الأمراء عند وزيره مؤيد الملك ابن خواجا ، فتحالفوا على حفظ الخزانة والملك ، وجعلوا شهاب الدين في محفة ، وساروا به ، فرتَّب الوزير الأمور ، وسكَّن الناس وجعل الشمسيَّة على المحفَّة ، وحفَّها بالحشم ، وكان شهاب الدين قد جمع أموالاً عظيمة من بلاد الهند في سفرته ، فكانت الخزانة التي معه ألفي حمل ومائتي حمل ، وأعاد الوزير من كان معه من العسكر الهندي إلى خدمة قطب الدين ، فإن شهاب الدين كان قد جمع العساكر لقصد الخطا ، وفرق فيهم أموالاً كثيرة ، وسار الوزير ومعه العسكر الغزنوي ، وكان الوزير والأتراك يميلون إلى غياث الدين محمود بن غياث الدين ، والأمراء الغوريّة تميل إلى بهاء الدين سام صاحب باميان ، فأرسلت كل طائفة إلى من تميل إليه يعرفونه قتل شهاب الدين ، ثم سار الوزير والعسكر إلى أن وصلوا إلى كرمان المدينة التي بين لهاوور وغزنة ، وكان بها تاج الدين الدز مملوك شهاب الدين ، فلم عاين المحفَّة ترجّل ، وقبَّل الأرض على عادته ، وتقدّم وكشف شهاب عن شهاب الدين ، فلما رآه قتيلا خرَّق ثيابه ، وصاح ، وبكى ، وأبكى الناس ، وكان من أكبر المماليك الشهابية ، فطمع في ملك غزنة ، فسأل الوزير عن الأموال والسلاح والدواب ، فأخبره بما خرج من ذلك وما بقي ، فأنكر عليه ، وأساء جوابه ، وقال : إن الغورية قد كاتبوا بهاء الدين سام صاحب باميان ليملِّكوه

الصفحة 60