كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)
"""""" صفحة رقم 86 """"""
ذكر استيلاء قرعويه على حلب وإخراج أبي المعالي عنها
قال : ثم فسد ما بين سعد الدولة وبين قرعويه ، ووافقه أكثر الغلمان ، وأهل البلد ، فأخرج أبا المعالي منها ، وقطع دعوته ، وتغلَّب على البلد ، فسار سعد الدولة إلى أرزن ، وميِّا فارقين ، فمر في مسيرة بحران ، فأغلق أهلها الأبواب في وجهه ، ومنعوه من الدخول ، إليها إلا أنهم لم يقطعوا دعوته ، فمضى إلى ميّافارقين ، وكانت والدته بها ، فبلغها أن غلمانه قد عزموا على القبض عليها ، وحملها إلى القلعة ، فأغلقت أبواب المدينة في وجه ابنها ثلاثة أيام إلى أن توثقت منه ، وممن معه ، ومن أجناده ، ثم فتحت الأبواب وأطلقت أرزاق غلمانه ، فصلحت أحوالهم ، ثم جمع سعد الدولة واحتشد ، وسار إلى حلب ، فنزل عليها في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ، وحاصرها ، وفي مدة غيبته نزل أبو البركات ابن ناصر الدولة بجيش على ميّا فارقين ، فأغلقت والدة أبي المعالي الأبواب دونه ، وضبطت البلد ، وراسلته تتعرف منه سبب مقصده ، فعرفها أنه يقصد العدو ، وأنه يريد منها ما يتقوى به على قصده ، فبذلت له مائتي ألف درهم ، فلم يقنع بها ، وطلب منها ضياعاً كانت لسيف الدولة بالقرب من نصيبين ، فأعلمت التدبير إلى أن أفسدت عليه جماعة ممَّن معه ، ثم ركبت ، وكبسته في عسكره ، وقتلت جماعةً من غلمانه ، فانهزم أبو البركات ، وراسلها ، فردَّت عليه بعض ما نهبت منه ، وأطلقت له مائة ألف درهم ، وأطلقت حاجبه ، وكانت قد أسرته ، فرحل عنها . ولم يزل أبو المعالي على حصار حلب حتى فتح الروم أنطاكية في يوم النحر سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ، واستقّروا بها ، وأنفذوا جيشاً لأخذ حلب ، فارتحل أبو المعالي عنها ، ونزلت الروم عليها ، وملكوا المدينة ، فصالحهم قرعويه على أن يؤدِّي لهم جالية ، ويكون في ذمتهم إلى أن يموت ، فإن مات ولي مكانه غلامه بكجور ، وكتب فيهم كتاباً ، ونزل أبو المعالي معرة النعمان ، ووالدته نائبة عنه بميّافارقين ، فورد عليها الخبر أن ملك لروم تحرك لقصد ديار بكر ، فخافت أنها لا تنهض بضبط ميّا فارقين ، فتبرأت من الأمر ، ودبر البلد أهله ، ثم راسلوا أبا تغلب بن ناصر الدولة في وال . فبعث إليهم أبا الفوارس هزارمرد أحد مماليك سيف الدولة الكبار .