كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 26)
"""""" صفحة رقم 94 """"""
شجاع ، وقال له : رأيت في منامي كأني أبول ، فخرج من ذكرى نار عظيمة استطالت ، وعلت حتى كادت تبلغ السماء ، ثم انفرجت ، فصارت ثلاث شعب ، وتولَّد من تلك الشعب عدة شعب ، فأضاءت الدنيا بتلك النيران ، فرأيت البلاد والعباد خاضعين لتلك النيران ، فقال المنجم : هذا منام عظيم لا أفسره إلا بخلعة وفرس وركب ، فقال أبو شجاع : والله ما أملك إلا الثياب التي على جسدي ، فإن أخذتها بقيت عرياناً ، قال المنجم : فعشرة دنانير قال : والله لا أملك ديناراً ، فكيف عشرة ، فأعطاه شيئاً ، فقال المنجم : إعلم إنه يكون لك ثلاثة أولاد يملكون الأرض ومن عليها ، ويعلو ذكرهم في الآفاق كما علت تلك النار ، ويولدهم جماعة ملوك بقدر ما رأيت من تلك الشعب ، فقال أبو شجاع : أما تستحي ؟ تسخر بنا ؟ أنا رجل فقير ، وهؤلاء أولادي فقراء مساكين كفيف يصيرون ملوكا ؟ فقال له المنجم : أخبرني عن وقت ميلادهم ، فأخبره ، فجعل يحسب ثم قبض على يد أبي الحسن علي فقبلها ، وقال هذا والله الذي يملك البلاد ، ثم هذا من بعده . ثم قبض على يد أخيه أبى علي الحسن ، فاغتاط منه أبو شجاع ، وقال لأولاده : اصفعوا هذا الحكيم ، فقد أفرط في السخرية بنا فصفعوه ، وهو يستغيث ، ونحن نضحك منه ، ثم أمسكوه ، فقال : اذكروا لي هذا إذا قصدتكم ، وأنتم ملوك ، فضحكنا منه وأعطاه أبو شجاع عشرة دراهم . ثم اتفق خروج جماعة من الديلم لملك البلاد . منهم : ما كان بن كالى ، وليلى بن النعمان ، وأسفار بن شيرويه . ومرداويج بن زياد ، وخرج مع كل واحد منهم خلق كثير من الديلم ، وخرج أولاد أبي شجاع في جملة من خرج مع ماكان بن كالى . فلما استولى مرداويج على ما كان بيد ماكان من طبرستان وجرجان ، وضعف ما كان ، وعجز ، قال له عماد الدولة ، وركن الدولة : نحن في جماعة ، وقد صرنا ثقلاً عليك وعيالاً ، وأنت مضيَّق عليك ، والأصلح لك أن نفارقك ؛ لنخف عليك مئونتنا ، فإذا صلح أمرك عدنا إليك ، فأذن لهما . فسار إلى مرداويج ، واقتدى بهما جماعة من قواد ما كان ، وتبعوهما ، فلما صاروا إليه قبلهم أحسن قبول ، وخلع على ابني بويه ، وأكرمهما ، وقلد كلَّ قائد من قواد ما كان الواصلين إليه ناحية من نواحي الجبل ، فقلد على بن بويه الكرج .
ذكر أخبار عماد الدولة أبي الحسن علي بن بويه وابتداء الدولة البويهية
كان عماد الدولة قد خرج مع أبيه في جيش الناصر للحق ، ثم تنقلت به أمور في خدمة الملوك ، ودخل إلى خراسان كرَّتين ، صار من أصحاب ما كان ، ثم فارقه