كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 27)

"""""" صفحة رقم 251 """"""
ذكر الواقعة الأولى بين طقطا ونوغيه
وفي سنة سبع وتسعين وستمائة سار طقطا للقاء نوغيه ، فجمع عساكره ومن انضاف إليه ، وكانوا يزيدون على مائتي ألف فارس . وسار كل منهما لقصد صاحبه ، فالتقوا على نهر يقصى بين مقام طقطا ومقام نوغيه . فكانت الهزيمة على طقطا وعساكره ، وانتهت بهم الهزيمة إلى نهر تن ، فمنهم من عبر وسلم ومنهم من هوى به فرسه فغرق . وأمر نوغيه عساكره أن لا يتبعوا منهزما ولا يجهزوا على جريح ، وأخذ الغنائم والسبايا والأسلاب وعاد إلى مكانه .
ذكر الوقعة الثانية وقتل نوغيه
وفي سنة تسع وتسعين وستمائة ، عزم طقطا على حرب نوغيه ، واتفق أن جماعة من أمراء نوغيه الذين كان يعتمد عليهم فارقوه وانحازوا إلى طقطا . فقويت به شوكتهم ، وكانوا في ثلاثين ألف فارس . ولما تجهز طقطا اتصل خبره بنوغيه ، فتجهز أيضا لحربه وخرج كل منهما للقاء الآخر . فلما صار بينهما مسافة يوم ، أرسل نوغيه شخصا ومعه مائة فارس للكشف ، فظفر بهم طقطا وقتلهم ونجا مقدمهم بمفرده . فأخبر نوغيه أن العسكر قد دهمه ، فركب فيمن معه والتقوا على كوكان لك واقتتلوا ، فكانت الكسرة على نوغيه في وقت المغرب ، فانهزم أولاده وعشائره وثبت هو على ظهر فرسه ، وكان قد كبر وطعن في السن ، وتغطت عيناه بشعر حواجبه ، فوافاه رجل روسي من عسكر طقطا وقصد قتله ، فعرفه بنفسه وقال : أنا نوغيه فاحملني إلى طقطا فلي معه حديث . فلم يصغ الروسي لمقالته وقتله . وحمل رأسه إلى طقطا وقال : هذا رأس نوغيه . فقال له : ومن الذي أعلمك أنه نوغيه ؟ فقص عليه القصة . فآلمه ذلك ، وأمر بقتل قاتله ، وقال : إن من السياسة قتله حتى لا يجترئ أمثاله على قتل مثل هذا الرجل الكبير . ثم عاد طقطا إلى مقامه .
ذكر أخبار أولاد نوغيه
ولما انهزم عسكر نوغيه وقتل ، استقر أولاده بمقامه فلم تطل بهم الأيام حتى وقع الخلف بينهم . وقتل جكا بن نوغيه أخاه بكا ، واستبد جكا بملك أبيه وأقام له نائبا يسمى طنغر ؛ فنفر عنه أصحابه وعلموا أنه لا يبقي عليهم بعد أن قتل أخاه . واتفق نائبه طنغر مع طاز بن منجك - وهو صهر نوغيه ، زوج ابنته طغلجا - على الإغارة على بلاد أولاق والروس . فسارا وتذاكرا سوء سيرة جكا فيهم ، واتفقا على أن يقبضا عليه عند عودهما ، وعادا لذلك . فبلغه الخبر ففر منهما في مائة وخمسين فارسا ، ودخل بلاد آص وكان بها مقدم وطمأن من عسكره فأقام بينهم . ووصل طنغر ثانية وطاز بن منجك صهره إلى بيوته فنهبوها واستولوا عليها .

الصفحة 251