كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 27)

"""""" صفحة رقم 257 """"""
عظيمة وجعل منهم أهل أرزنجان وتحصنوا بجبل يسمى أرن سور ، فلما وصل التتار إلى أرزنجان تسلموها وحاصروا كماج ، وهزموا الأكراج وقتلوا منهم وسبوا ، وأقام قدغان وكتبغا حتى وصل إليهما بيجو .
وأخبرني الأتمر البدري رحمه الله وهو من ذرية بيجو كما زعم ، وكان له معرفة بأخبارهم ، أن منكوقان لما جهز بيجو لفتح الروم ، أوصاه أنه لا يتعرض إلى بغداد ، وأنه لما جهز هولاكو أوصاه أن لا يخالف بيجو وأنه لا يصل إلى بغداد ، وكتب معه إلى بيجو بذلك . فغير هولاكو الكتب وجعل معناه أن بيجو لا يخالف أمر هولاكو ، وكانت كراهية منكوقان لفتح بغداد أنهم رأوا فيما عندهم أنها إذا فتحت لا تطول مدة القان .
ثم توجه بيجو ومن عنده إلى هولاكو ونزلوا بالجانب الغربي من بغداد ، ونزل هولاكو بالجانب الشرقي منها ، وحاصروها واشتد الحصار ، فخرج إليهم عسكر الخليفة صحبة مجاهد الدين أيبك الدوادار الكبير - وكان مقدما على عشرة آلاف فارس - فالتقى مع التتار وهزمهم ، فولوا عامة ذلك النهار ، وقتل كثيرا منهم إلى أن حجز بينهم الليل ، واستبشر المسلمون بالنصر . فلما أصبحوا تراجع التتار إليهم ، فانكسر الدوادار ومن معه . وكان أكثر أصحابه لما أيقنوا بالظفر دخلوا بغداد في تلك الليلة ، فما انهزم مجاهد الدين بمن بقي معه قصد التحصن ببغداد ، فحال بينه وبينها - للقضاء المقدر - شق انبثق من دجلة ، وساحت منه مياه عظيمة ، فصار الماء أمامه والتتار وراءه ، فأدركوه هو ومن معه ، وأخذهم السيف ، ومرق جماعة منهم . وقتل مجاهد الدين أيبك وولده أسد الدين - وكان مقدم خمسة آلاف فارس - ، وسليمان شاه ترجم . أمير علم الخليفة ، وجماعة من الأمراء ، وأسروا خلقا . وحملت رؤوس هؤلاء الثلاثة إلى الموصل ، وحملت على باب المدينة ترهيبا لأهلها .
ورمى أهل بغداد بالداهية الكبرى والمصيبة العظمى ، وارتاع الخليفة وأغلقت أبواب المدينة ، وأحاط بها التتار وضايقوها وفتحوها عنوة ، ودخلوها في العشرين من المحرم سنة ست وخمسين وستماية ؛ ووضعوا السيف فيها سبعة أيام ، لم يرفعوه

الصفحة 257