كتاب أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع

فكان جزاء طغيانهم أن سوى الله بهم وبمدينتهم الأرض؛ لأنهم اختاروا طريق الشر، ومعصية الله ورسوله.
4- ومما كرم الله به الإنسان وفضله:
أن وهبه القدرة على التعلم والمعرفة، وزوده بكل أدوات هذه القدرة، قال تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 96/ 3-5] .
وقال جل جلاله: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 2/ 31-32] .
أما أدوات القدرة على التعلم، فمنها السمع والبصر والفؤاد:
{جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 16/ 78] .
"فالسمع معناه إحراز المعرفة التي اكتسبها الآخرون، والبصر معناه تنميتها بما يضاف إليها من ثمرات الملاحظة والبحث، والفؤاد معناه تنقيتها من أدرانها وأوشابها، ثم استخلاص النتائج منها، وهذه القوى الثلاث إذا تضافرت بعضها على بعض، نجمت عنها "المعرفة" التي من الله بها على بني آدم، والتي بها وحدها استطاع الإنسان أن يهزم سائر المخلوقات، ويسخرها لإرادته"1.
وندد الله بالذين لا يستفيدون من سمعهم، وأبصارهم وأفئدتهم، فقال:
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 7/ 179] .
ومن هذه الأدوات اللسان والقدرة على البيان، والقلم والقدرة على الكتابة، قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} [البلد: 90/ 8-9] .
__________
1 أبو الأعلى المودودي، المنهج الإسلامي الجديد ط جمعية التمدن الإسلامي بدمشق 1375هـ، ثم قال: "ولو أردت التعمق في تأمل هذه الحقيقة لاهتديت في النهاية إلى أن هؤلاء الذين لا يستخدمون هذه المقدرات، أو ينتفعون بها في قدر محدود، هم الذين كتب عليهم العيش في حالة التأخر والانحطاط، تحت كنف الآخرين وسلطانهم، أما الذين يوظفون هذه القرى على أوسع نطاق فهم -على العكس- يظفرون بالسيادة والسيطرة، وهم الذين يصبح لهم حق قيادة الشعوب وتوجيهها" ص5.

الصفحة 34