كتاب أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع
متجانسة متساوية، أو إنقاصها أي "طرح وحدات" منها، ثم تفنن الإنسان في الكسور، والجبر، والتفاضل والتكامل.
وكل ذلك يرجع في أصله إلى ما تعلمه الإنسان الأول من عد الأيام، والأشهر وعد السنين، وحسابها، وما يزال الإنسان يضبط أوقاته على هذا "الميقات الرباني" الذي هو دورة الأرض، والقمر، والفصول الأربعة.
الأثر التربوي:
ومما تقدم نجد أن القرآن ربى عقل المسلم على مبدأين آخرين علميين، غير مبدأي السلبية، والغائية والتفكير الجدي المنطقي، هما:
1- تكرار حوادث الكون حسب سنن سنها الله له، وهو جل جلاله وحده يملك أن يغيرها إذا شاء، وهذا هو المبدأ الذي بنيت عليه اليوم جميع القوانين العلمية، وهو أساس التفكير العلمي، الذي به اكتشف الإنسان، واخترع كل مظاهر الحضارة.
2- أن سنن هذا الكون وجميع حوادثه، وظواهره وكائناته:
من أصغر ذرة إلى أكبر جرم قد خلقها الله وسيرها، أو أنزلها بقدر معلوم، لا يزيد ولا ينقص، ولا يتعدى شئء فيه فيختل توازنه، أو يخل بنظام غيره، مما جاوره أو قابله، أو تأثر به أو أثر فيه، ومن هذه المبادئ التي استوحاها علماء المسلمين من القرآن، وارتقوا بها في العلوم الطبيعية، استقت أوروبا مبادئ التفكير العلمي، ووحدة قوانين العلم الحديث، ومناهج التفكير العلمي المنطقي، وهذا هو المبدأ الثاني من مبادئ المنطق العلمي "إقامة الملاحظة العلمية على أساس القياس الكمي لا على أساس الوصف الكيفي، إنه المبدأ الذي يربي العقل على الدقة ليأخذ كل شيء بمقياس.
3- الكون مسير، ومدبر دائما بقدرة الله:
فالله الذي رتب سنن الكون بقي -وما زال- قائمًا على تسييره وتدبيره أمره، يمده بقوته: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الحج: 22/ 65] .
{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر: 35/ 41] .
الصفحة 39
240