فلما فرغ يحيى من إخراج تلك الكتب من كمه، وقرأها الرشيد، أقبل الرشيد على يحيى فقال: دعني من هذا. أيما أحسن وجهاً، أنا أم أنت؟ فقال له يحيى: أنت والله يا أمير المؤمنين أحسن وجهاً مني، وأتم قامةً، وأجمل خلقةً، وما أنا منك في هذا بشيء.
فقال: فدع هذا. أيما أسخى، أنا أم أنت؟ فقال له يحيى: أجبتك يا أمير المؤمنين في الأولى بما قد علمه الله، وعلمه كل مستمعٍ وناظرٍ, فأما هذه فأنا رجلٌ أهتم بأمر معاشي أكثر السنة تأتي علي, وأتقوت بما يصير إلي على حسب الضيقة والسعة, وأنت يجبى إليك خراج الأرض. والله ما أدري ما أجيب به في هذا؟ قال: بلى, لتجيبنني, وما بهذا عليك خفاءٌ./ قال يحيى: قد والله صدقتك يا أمير المؤمنين: ما أدري كيف ذاك؟
قال: فدع ذا. أينا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه [وسلم]؟ قال: يا أمير المؤمنين, الطينة واحدةٌ, والنسب واحدٌ, وأنا أسألك لما أعفيتني من الجواب في هذا. فحلف بالعتق والطلاق والصدقة