كتاب تثبيت دلائل النبوة (اسم الجزء: 1-2)

قيل له: إن أعداءه لا يدفعونه عن ذلك، فإنهم قالوا: ما جمع المهاجرين والانصار وهو فقير وحيد أجير معيل وقد دعاهم الى ما قدمنا وعلى الشرائط التي ذكرنا إلا بعقل وافر، وحلم واسع، وبلطف في التدبير، وحسن تأتّ وعلم بالعواقب، وسعة في الفطن، وهذا قول عدوّه فيه.
فأما وليّه فيقول: هذا لا يبلغه عاقل بعقله، ولو كان أتم الناس عقلا، وأوسعهم علما وحلما، وأكثرهم مالا، ولا يكون هذا على تلك الشرائط إلا بتدبير الله عزّ وجلّ، الذي يملك العقول، ويقلّب القلوب، وبوحي منه عز وجل.
فإن زعم الأعداء أن الذي تم له كان مع قلة العقل وبالعجز فيه والخبط فقد خرجوا من كل معقول، وتبرؤوا من كل تمييز ومحصول، وجعلوا أنفسهم ضحكة وأحلوا بها المكاره، وأعطوا خصمهم اكثر مما طلب، وشهدوا بأن الله قد نقض له العادات اكثر مما نقضها لأحد من الناس كلهم ممن ادعى النبوة والحكمة وغيرهم لأنهم زعموا أنه تم له ما تم بتلك الشرائط وعلى تلك بعقل ضعيف وخلق سخيف وبالذهاب عن الحزم والحلم ومع طول الغافلة، فاذا تبيّن عقله لمن تفكر من/ عدوّه، علم أن عقول المهاجرين والانصار مثل عقله أو قريب منه، وكذا عقول قريش ثم العرب؛ فإن العقلاء والحكماء يقولون: الأمم العاقلة هم:
العرب والفرس والهند والروم، ثم قالوا: أعقل الاربع العرب والفرس، ثم اختلفوا أيهما أعقل وأحكم وأفطن، الفرس أم العرب؟ وخاضوا في ذلك، وذكروا ما لكل أمة من وصية وحكمة، وتدبير وسياسة، وهذا ما لا يدفعه العاقل المتفكر المتدبر.
فإذا كان عقل رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد عرفه عدوه ووليّه، فمن هذا عقله

الصفحة 13