كتاب تثبيت دلائل النبوة (اسم الجزء: 1-2)

وهو يعلم انهم يعلمون انه قد كذبهم؛ هذا في رئيس لا يدعي النبوة فكيف بمن يدعي الصدق والنبوة؟ وهذا قول قد سمعه عدو النبي صلّى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى وقريش والعرب، وأخرسهم صدقه، وبهر عقولهم تمامه والوفاء به، لأنهم اجتمعوا له بتلك الشرائط التي قد تقدمت، وهو بخلاف اجتماع الاتباع لخطّاب الملك وطلاب الدنيا.
فان قيل: أفليس عليّ بن عبد الله ابن العباس ابن عبد المطلب عم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وابنه محمد وبنو محمد، كإبراهيم الامام وإخوته، كأبي العباس، وأبي جعفر، وغيرهما، قد كانوا مقهورين ومغلوبين ببني امية، فدعوا الى انفسهم بخراسان فأجيبوا، وصاروا في عساكر وجماعات، فغلبوا بني امية على الملك، وقتلوهم وأخذوا كل ما في ايديهم الا بلاد الاندلس من ارض المغرب، فلم لا يكون سبيل نبيكم وغلبته هذه السبيل؟ وإلا فقد لزمكم ان تقولوا بنبوة بني العباس كما قلتم بنبوة صاحبكم.
قيل له: قد فرغنا من هذا مرة وتبيّنا الجواب فيه، وهو أنا لم نقل بنبوة محمد صلّى الله عليه وسلم لأنه صارت له رئاسة وصار متبوعا وصارت له عساكر، ولكن لأنه أخبر بالأمور قبل كونها على غير مجرى العادة، بل على ما هو نقض للعادات، لأنه أتى الناس وهو وحيد فقير أجير، فأغضبهم وغاظهم وجادلهم وعادوه، وأخبر أنهم سيغلبون، وأنه يغلبهم ويقهرهم، وقالوا: بل نحن نغلبك وندبرك، وكان موجب التدبير ومقتضى الحزم أن تكون الغلبة لهم لا له، إلا أن يكون من قبل الله ورسولا لله، لأنهم واليهود والنصارى والفرس والمجوس يد واحدة في عداوته والقصد

الصفحة 16