كتاب تثبيت دلائل النبوة (اسم الجزء: 1-2)

الوليد بن يزيد/ بن عبد الملك «1» وما اتى من شرب الخمور والمجاهرة بذلك.
فأثار بنو العباس ودعاتهم اهل خراسان بذلك، فقدم بنو العباس على امر ممهد وجند مجند، وعلى قوم مسلمين قد صدّقوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ورضوا بما رضي رسول الله، وغضبوا مما يغضب منه رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فبنو العباس الى رسول الله نحوا، وبأمته والمصدقين به استجاروا، فالذي تم لهم فبرسول الله صلّى الله عليه وسلم تم، وبظله تفيئوا، وبه تستروا، وهذه سبيل كل من ادعى بعده صلّى الله عليه وسلم الامامة من بني هاشم ومن جميع قريش او ادعى انه من قريش.
وكلهم برسول الله صلّى الله عليه وسلم تشبثوا، وبه تستروا واستعاذوا ولاذوا، ولأجله تم لهم ما تم. وأنت تجد ذلك في واحد واحد منهم في مشارق الارض ومغاربها، وتعرف الحق منهم من المبطل، والدّعيّ من الصريح، فأين هذا من دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسبيلها ما قدمنا وشرحنا.
فإن قيل: أو ليس مع ادعائه النبوة قد حمل السيف على من خالفه، وحارب بمن أطاعه من عصاه، فما تنكرون ان يكون الذي تم له من اوله الى آخره انما تم بالسيف وبالمكابرة، لا بالآيات والمعجزات؟
قيل له: ما انكرنا انه حمل السيف، وانما كلامنا في الذين صاروا سيوفا له وعساكر/ وبهم استطال على عدوه، فإن هؤلاء قد أجابوه بلا دنيا ولا سيف كما قد قدّمنا وبينا، وبمصيرهم الى طاعته صحت نبوته فظهرت دلائل رسالته، لأنه ما خلق قوما حملوا السلاح معه، وانما أجابه المهاجرون
__________
(1) الوليد بن يزيد هو الخليفة الحادي عشر من خلفاء بني امية، تولى امرة المسلمين سنة 125 هـ وعكف على شرب الخمر وسماع الغناء ومعاشرة النساء، وقد ثقل امره على الرعية والجند فثاروا عليه سنة 126 هـ بعد ان دعا يزيد بن الوليد بن عبد الملك الى نفسه، وقد قتل الوليد في نفس السنة. تاريخ ابي الفداء 205- 206.

الصفحة 19