كتاب تثبيت دلائل النبوة (اسم الجزء: 1-2)

يُؤْمِنُونَ» «1» .
وتأمل قوله عز وجل في سورة القصص: «وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ «2» » الى قوله: «وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ. وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ» وانظر الى هذا الاحتجاج بأنه ما نال هذا ولا عرفه إلا بوحي من الله.
وانظر الى قوله في سورة طه: «وَقالُوا لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ، أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى «3» » . فتأمل هذا الاستعلاء على العدو والولي بأن من آياته وعلاماته ما في الصحف الأولى.
وكان مما طعن به ابن الراوندي في هذه الآية ان قال: إن كان معرفته بهذا دلالة على نبوته فمعرفة اليهود بذلك دلالة على نبوتهم، وهذا جهل من هذا الأحمق، لأن اليهود قد قرؤوا ذلك وكتبوه واخذوه عن آبائهم وشاهدوه فلا يكون حجة لهم، وهذا ما قرأه ولا كتبه ولا اخذه عنهم ولا عن احد من الناس كما دلت عليه العقول، فهو حجة عليهم وعلى غيرهم، ولو ان إنسانا ادعى النبوة، وجعل دلالته بأن اخبرك عن كتاب معك ما قرأه ولا وقف عليه وإنما وقفت انت عليه فيما لا يقع بالاتفاق ولا بالحدس، لكان ذلك دلالة في نبوته ولم يكن دلالة لك، وكذلك إذا اخبرك عما اكلت وشربت وادخرت، ولكن اشتبه على هذا الملحد لفرط جهله وبعده من التحصيل، ولولا ان الاشعرية والرافضة والنصارى والزنادقة يرون هذا الرجل بعين المحصلين لما ذكرنا اسئلته لركاكتها، ولكنه صنف شيئا للمشبهة،
__________
(1) يوسف 111
(2) القصص، الآيات 44 و 45 و 46
(3) طه 133

الصفحة 90