كتاب كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار

وَالثَّانِي يلْزمه كَفَّارَة يَمِين لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَفَّارَة النذور كَفَّارَة الْيَمين وَرُوِيَ أَن رجلا قَالَ لعمر رَضِي الله عَنهُ إِنِّي جعلت مَالِي فِي رتاج الْكَعْبَة إِن كلمت أخي فَقَالَ إِن الْكَعْبَة لغنية عَن مَالك كلم أَخَاك وَكفر عَن يَمِينك وَرُوِيَ نَحوه عَن عَائِشَة وَحَفْصَة وَأم سَلمَة رَضِي الله عَنْهُن وَكَذَا عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُم وَلم يظْهر لَهُم مُخَالف وَهَذَا مَا صَححهُ الرَّافِعِيّ وَقطع بِهِ جمَاعَة لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنى يَمِين
الْوَجْه الثَّالِث أَنه يتَخَيَّر بَين الْوَفَاء بِمَا الْتزم وَبَين أَن يكفر كَفَّارَة يَمِين لِأَنَّهُ يشبه النّذر من حَيْثُ إِنَّه الْتِزَام قربَة وَالْيَمِين من حَيْثُ إِن مَقْصُوده مَقْصُود الْيَمين فَلَا سَبِيل إِلَى الْجمع بَين موجبيهما وَلَا إِلَى تعطيلهما فَوَجَبَ التَّخْيِير وَهَذِه الْمَسْأَلَة يعبر عَنْهَا تَارَة بِنذر اللجاج وَالْغَضَب وَيُقَال لَهَا أَيْضا نذر الغلق وَيَمِين الغلق لِأَنَّهُ يغلق عَنهُ مَا يُرِيد فعله أَو تَركه وَصورتهَا كَأَن يَقُول إِن كلنت فلَانا أَو دخلت دَاره أَو إِن لم أسافر أَو إِن سَافَرت وَنَحْو ذَلِك فَللَّه عَليّ صَوْم شَهْرَيْن أَو صَلَاة أَو اعتاق رَقَبَة أَو أَتصدق بِمَال أَو أحج وَنَحْو ذَلِك ثمَّ يفعل الْمُعَلق عَلَيْهِ وَقيل يلْزمه الْحَج أَو الْعمرَة تَفْرِيعا على قَول التَّخْيِير لِأَن الْحَج أَو الْعمرَة لما كَانَا يلزمان بِالدُّخُولِ فيهمَا لقوتهما دون غَيرهمَا لزما بِالنذرِ وَهُوَ ضَعِيف جدا لِأَن الْعتْق أَيْضا يلْزم اتمامه بالتقويم وَهُوَ لَا يلْزم بِالنذرِ وَالله أعلم
(فرع) إِذا قَالَ شخص إِن فعلت كَذَا فعلي كَفَّارَة يَمِين لَزِمته بِلَا خلاف وَإِن قَالَ فَللَّه عَليّ يَمِين فَالْأَصَحّ أَنه لَغْو فَإِنَّهُ لم يَأْتِ بِنذر وَلَا بِصِيغَة يَمِين وَلَيْسَت الْيَمين مِمَّا يثبت فِي الذِّمَّة وَقيل يلْزمه كَفَّارَة يَمِين وَالله أعلم وَقَول الشَّيْخ وَلَا شَيْء فِي لَغْو الْيَمين صورته فِيمَن سبق لِسَانه إِلَى لفظ الْيَمين بِلَا قصد كَقَوْلِه فِي حَال غَضَبه لَا وَالله بلَى وَالله وَكَذَا فِي حَال عجلته أَو صلَة كَلَامه فَهَذَا لَا ينْعَقد يَمِينه وَلَا تتَعَلَّق بِهِ كَفَّارَة وَاحْتج لَهُ بقوله تَعَالَى {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَهُوَ قَول الْإِنْسَان لَا وَالله وبلى وَالله وَفِي رِوَايَة عَنْهَا هُوَ قَول الرجل فِي بَيته كلا وَالله وبلى وَالله وروى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مثل قَول عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَفِي معنى اللجاج وَالْغَضَب مَا لَو كَانَ يحلف على شَيْء فَسبق لِسَانه إِلَى غَيره فَكل هَذَا يُسمى لَغْو الْيَمين فَإِذا حلف وَقَالَ لم أقصد الْيَمين صدق وَفِي الطَّلَاق وَالْعتاق وَالْإِيلَاء لَا يصدق فِي الظَّاهِر قَالَ الإِمَام وَالْفرق أَن الْعَادة جَارِيَة بإجراء لفظ الْيَمين بِلَا قصد بِخِلَاف الطَّلَاق

الصفحة 541