كتاب كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار

وَأما إتْيَان الْبَهَائِم فَإِنَّهُ إتْيَان فرج فِي فرج يُوجب الْغسْل فَأشبه الْآدَمِيّ وَقيل إِن قُلْنَا الْوَاجِب فِي إتْيَان الْبَهَائِم التَّعْزِير وَهُوَ الرَّاجِح قيل فِيهِ شَاهِدَانِ لِخُرُوجِهِ عَن حكم الزِّنَا وَهَذَا ضَعِيف جدا لِأَن نُقْصَان الْعقُوبَة لَا يدل على نُقْصَان الشَّهَادَة بِدَلِيل زنا الْأمة فَلَو شهد ثَلَاثَة بِالزِّنَا فَهَل يجب الْحَد على الشُّهُود فِيهِ خلاف الرَّاجِح أَنهم يحدون لعدم تَمام الْحجَّة ولأنا لَو لم نوجب الْحَد لاتخذ النَّاس الشَّهَادَة ذَرِيعَة إِلَى الْقَذْف فتستباح الْأَعْرَاض بِصُورَة الشَّهَادَة وَالله أعلم قَالَ
(وَضرب يقبل فِيهِ شَاهِدَانِ وَهُوَ غير الزِّنَا من الْحُدُود)
وَهَذَا هُوَ الضَّرْب الثَّانِي من حُقُوق الله تَعَالَى وَلَا مدْخل للنِّسَاء فِيهِ وَلَا يقبل فِيهِ إِلَّا رجلَانِ كَحَد الشّرْب وَقطع الطَّرِيق وَالْقَتْل بِالرّدَّةِ وَنَحْو ذَلِك لقَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقِيَاسًا على النِّكَاح وَالْوَصِيَّة وَالله أعلم قَالَ
(وَضرب يقبل فِيهِ شَاهد وَاحِد وَهُوَ هِلَال رَمَضَان)
لَا يقبل الْوَاحِد إِلَّا فِي هِلَال رَمَضَان على الرَّاجِح وَاحْتج لَهُ بقول ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا ترَاءى النَّاس الْهلَال فَأخْبرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي رَأَيْته فصَام وَأمر النَّاس بصيامه وَيسْتَثْنى مَعَ مَسْأَلَة الْهلَال مَسْأَلَة أُخْرَى ذكرهَا الْمُتَوَلِي ونقلها عَنهُ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب فَقَالَ فرع ذكر الْمُتَوَلِي أَنه لَو مَاتَ كَافِر فَشهد وَاحِد أَن أسلم فَلَا يحكم بِأَنَّهُ مُسلم فِي الْإِرْث فيرثه الْكَافِر لَا الْمُسلم وَهل يحكم بِهِ فِي جَوَاز الصَّلَاة عَلَيْهِ قَولَانِ كَمَا فِي ثُبُوت هِلَال رَمَضَان وَاسْتثنى الشَّيْخ تَاج الدّين بن الفركاح مَسْأَلَة نقلهَا عَن الْمَاوَرْدِيّ وهم فِيهَا فَليعلم ذَلِك وَالله أعلم قَالَ
(وَلَا تقبل شَهَادَة الْأَعْمَى إِلَّا فِي خَمْسَة مَوَاضِع النّسَب وَالْمَوْت وَالْملك الْمُطلق والترجمة وعَلى المضبوط وَمَا تحمله قبل الْعَمى)
اعْلَم أَن الْمَشْهُود بِهِ قد يكون الْعلم بِهِ من جِهَة حاسة الْبَصَر وَقد يكون من جِهَة حاسة السّمع فَبِأَي الْجِهَتَيْنِ حصل الْعلم جَازَ الِاعْتِمَاد فِيهِ على قبُول الشَّهَادَة فمما يُسْتَفَاد الْعلم بِهِ بحاسة السّمع مَا طَرِيقه الاستفاضة وَذَلِكَ كالنسب وَالْمَوْت وَالْملك الْمُطلق لِأَن الشَّهَادَة وَالْحَالة هَذِه مُعْتَمدَة على السَّمَاء فالأعمى والبصير فِي ذَلِك على السوَاء هَذَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي قَالَه الْجُمْهُور وَقيل لَا تقبل شَهَادَة الْأَعْمَى فِي ذَلِك لِأَن المخبرين لَا بُد من الْعلم بِعَدَالَتِهِمْ

الصفحة 572