كتاب كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار

قَالَ جَمَاهِير الْعلمَاء من السّلف وَالْخلف وَأَجَازَ بعض السّلف نَقله وَلَعَلَّه لم يبلغهم الحَدِيث وَالله أعلم قَالَ
بَاب التَّدْبِير فصل فِي الْمُدبر وَمن قَالَ لعَبْدِهِ إِذا مت فَأَنت حر فَهُوَ مُدبر يعْتق بعد وَفَاته من ثلث المَال
هَذَا فصل التَّدْبِير وَهُوَ فِي اللُّغَة النّظر فِي عواقب الْأُمُور وَفِي الشَّرْع تَعْلِيق عتق بِالْمَوْتِ وَالتَّدْبِير مَأْخُوذ من الدبر لِأَن الْمَوْت دبر الْحَيَاة وَقيل لِأَنَّهُ لم يَجْعَل تَدْبيره إِلَى غَيره وَقيل لِأَنَّهُ دبر أَمر حَيَاته باستخدامه 2 وَأمر آخرته بِعِتْقِهِ وَكَانَ مَعْرُوفا فِي الْجَاهِلِيَّة فأقره الشَّرْع قد دبر الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار ودبرت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أمة وَأجْمع الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ وَأما الْمُغَلب فِيهِ هَل هُوَ تَعْلِيق الْعتْق بِصفة لِأَن صيغته تَعْلِيق كَمَا ذكره أَو حكم الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ من الثُّلُث فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا التَّعْلِيق
وَأما حجَّة اعْتَبرهُ من الثُّلُث فلقول ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا الْمُدبر من الثُّلُث وَلِأَنَّهُ تبرع بتتجز بِالْمَوْتِ كَالْوَصِيَّةِ فَإِن خرج من الثُّلُث عتق كل بِالْمَوْتِ وَإِن خرج مِنْهُ بعضه عتق بِقدر مَا خرج إِن لم تجز الْوَرَثَة وَالله أعلم قَالَ
(وَيجوز أَن يَبِيعهُ فِي حَال حَيَاته وَيبْطل تَدْبيره)
التَّدْبِير لَا يزِيل الْملك عَن الْمُدبر وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيق عتق بِصفة أَو فِي حكم الْوَصِيَّة وَذَلِكَ لَا يمْنَع التَّصَرُّف فِيهِ بِإِزَالَة الْملك كَمَا لَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر إِن دخلت الدَّار أَو أوصى بِهِ لزيد مثلا فَلهُ الرُّجُوع وَاحْتج لَهُ أَيْضا بِأَن جَابِرا رَضِي الله عَنهُ أخبر بِأَن رجلا دبر غُلَاما لَهُ لَيْسَ لَهُ مَال غير فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يَشْتَرِيهِ مني فَاشْتَرَاهُ نعيم بن النحام وَهُوَ حَدِيث مُتَّفق على صِحَّته وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فَاشْتَرَاهُ نعيم بن عبد الله وَفِي لفظ البُخَارِيّ فَاشْتَرَاهُ نعيم النحام وَهُوَ الصَّوَاب لِأَن النحام وصف لنعيم والنحام بِالْحَاء الْمُهْملَة فللسيد إِزَالَة الْملك عَنهُ بِالْبيعِ وَالْهِبَة وَغَيرهمَا وَبِكُل مَا ينْقل الْملك مثله جعله صَدَاقا أَو أُجْرَة أَو رَأس مَال سلم وَالْهِبَة مَعَ الْإِقْبَاض وَنَحْو ذَلِك وَهل يجوز الرُّجُوع عَن التَّدْبِير بالْقَوْل كَقَوْلِه فسخت التَّدْبِير أَو نقضته أَو رجعت عَنهُ وَنَحْو ذَلِك فِيهِ قَولَانِ مبنيان على أَن التَّدْبِير تَعْلِيق عتق بِصفة أَو وَصِيَّة وَالصَّحِيح أَنه

الصفحة 579