كتاب الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد
وشرعاً، فإنما (¬1) يكفر من يعتقد (¬2) أن مقاله حقٌّ. واحتجّ هؤلاء بحديث السوداء (¬3)، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما طلب منها التوحيد لا غير؛ وبحديث القائل: "لئن قدر الله عليّ - وفي رواية فيه - لعليّ أضلُّ الله، ثم قال: فغفر الله له" (¬4) قالوا: ولو بوحث أكثر الناس عن الصفات، وكوشفوا عنها لما وجدوا (¬5) من يعلمها إلا الأقل.
وقد أجاب الآخر عن هذا الحديث بوجوهٍ (¬6)، منها: أنَّ قَدَرَ
¬__________
(¬1) في (ظ) و (ن) والشفا: (وإنما).
(¬2) في الشفا: (نكفِّر من اعتقد).
(¬3) تقدم تخريجه.
(¬4) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (6/ 514) رقم (3481)، ومسلم في التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى ... (4/ 2111) رقم (2757) من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم ذرّوني في الريح، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً ... " الحديث بطوله، وفيه: "فغفر الله له".
وأما الرواية التي فيها لفظ: "لعلِّي أضلُّ الله" فأخرجها أحمد في مسنده (4/ 447) من حديث حكيم ابن معاوية بن حيدة، عن أبيه معاوية بن حيدة.
وإسناده حسن، ورجاله كلهم ثقات، عدا حكيم بن معاوية، وهو صدوق كما في تقريب التهذيب (ص 177). وقد حسن إسناده محققو مسند أحمد بإشراف شعيب الأرناؤوط (32/ 216).
(¬5) في (ظ): (وحدوا)، وفي الشفا: (وجد).
(¬6) هذا الحديث حديث الرجل من بني إسرائيل من أشهر الأدلة، وأصرحها على مسألة العذر بالجهل؛ كما ذكر ذلك الأئمة، فعمل الرجل هذا هو كفر بحد ذاته دون النظر إلى حاله وسبب فعلته تلك؛ لأن فيه إنكاراً لقدرة الله تعالى على إعادته بعدما يحرق، ولكنه عذر بسبب جهله؛ الذي قاده إلى هذا الظن الفاسد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (11/ 409): (فهذا الرجل ظن أن الله لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق، فظن أنه لا يعيده إذا صار كذلك، وكل من إنكار قدرة الله تعالى، وإنكار معاد الأبدان وإن تفرقت كفر، لكنه كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته =
الصفحة 365
488