كتاب التبصرة للخمي (اسم الجزء: 1)

فكَانَ لاَ يَسْتبرِئُ مِنَ البَوْلِ" (¬1) أي: لا يتوقاه. وقيل: المعنى: لا يستتر من الناس، والأول أحسن؛ لأن الأول حقيقة لقوله: "لا يستبرئ منه"، والثاني مجاز وخروج عن النص. وجميع هذه الأحاديث اجتمع عليه الصحيحان البخاري ومسلم؛ وقال الله -عز وجل- {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ} [التوبة: 28]، فجعل العلة في منعهم المسجد لأنهم في معنى النجس.
قال قتادة: الأنجاس: الأخباث (¬2).
إذا منع موضع الصلاة من النجاسة كان منع الصلاة أولى، وأجمع أهل العلم على أن على المصلي ألا يتقرب إلى الله - صلى الله عليه وسلم - بالنجاسة.
واختلف بعد ذلك في إزالة النجاسة على ثلاثة أقوال:
فذهب مالك إلى أن ذلك فرض مع الذكر ساقط مع النسيان، فإن صلى بنجاسة متعمدًا أعاد أبدًا، وإن كان ناسيًا أعاد في الوقت (¬3).
وقال ابن وهب: يعيد أبدًا ناسيًا كان أو متعمدًا (¬4). وجعل ذلك فرضًا مع الذكر والنسيان.
وقال أشهب: لا إعادة عليه إلا في الوقت ناسيًا كان أو متعمدًا (¬5). ورآه
¬__________
(¬1) متفق عليه، أخرجه البخاري: 1/ 88، في باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله، من كتاب الوضوء، في صحيحه، برقم (213)، ومسلم: 1/ 240، في باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، من كتاب الطهارة، برقم (292).
(¬2) في (س): (الأجناب).
(¬3) انظر: المدونة: 1/ 138.
(¬4) انظر: البيان والتحصيل: 1/ 41.
(¬5) انظر: البيان والتحصيل: 2/ 78، قال ابن رشد: (وقد روى البرقي عن أشهب أن من صلى بثوب نجس عامدًا، فلا إعادة عليه إلا في الوقت).

الصفحة 106