كتاب فضائل أبي حنيفة وأخباره لابن أبي العوام

في حسن جواره وحسن عشرته
226 - حدثني أبي قال: حدثني أبي قال: حدثني محمد بن أحمد بن حماد قال: حدثني محمد بن حماد مولى بني هاشم قال: حدثني محمد بن مليح بن وكيع ابن الجراح قال: سمعت أبي يذكر عن يزيد بن كميت قال: كان لأبي حنيفة جار سوء يكنى أبا حماد، وكان يلتقط البعر والشوك ويبيعه، فربما شرب وتغنى:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ...
فكان أبو حنيفة إذا سمعه يضحك منه، فأخذه الحرس ليلة سكراناً فسجنه، ففقد أبو حنيفة صوته، فقال: ما فعل أبو حماد الذي كان يقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ...
قالوا: حبس، قال: ما علمت، فلما أصبح وجه إلى الوالي فتخلصه، ثم قال: يا أبا حماد لم يضيعك جيرانك ووهب له مائة درهم.
227 - حدثني أبي قال: حدثني أبي قال: حدثني محمد بن أحمد بن حماد #134# قال: حدثني محمد بن سعدان قال: حدثني الضبي معلم المعتز أمير المؤمنين قال: كان أبو أسيد يجالس أبا حنيفة، وكانت فيه غفلة شديدة، وكان شيخاً عفيفاً وكان يخطى مزدوج، وكان أبو حنيفة كثيراً ما يضحك منه ومن نوادره، وإنه كان جالساً في حلقة أبي حنيفة وإلى جانبه رجل، فقال أبو أسيد للرجل: ارفع ركبتك فإني أريد أن أبول، وإنما أراد أن يبزق، فقال الرجل لأبي حنيفة: ألا تسمع ما يقول أبو أسيد؟ يريد أن يبول في المسجد؟ فقال أبو أسيد للرجل: أليس يقال: إذا جالست العلماء فجالسهم بقلة الوقار والسكينة، فضحك أبو حنيفة والقوم منه، قال وكان أبو أسيد يوماً جالساً في الشارع إذ مروا ببكرة سمينة فقال: ليتها لي، فقالوا: ما تصنع بها يا أبا أسيد؟ قال: أختنها وأنحر أبني، قال: وتهيأ مرة يوم الأحد ولبس ثياب الجمعة وتطيب وخرج من منزله، فجلس إلى صديق له في العطارين فحادثه ساعة ثم قام وقال: ألا تقوم بنا إلى الجمعة؟ فقال له العطار: يا أبا أسيد اليوم الأحد، الناس يغلطون بيوم وأنت تغلط بالأسبوع كله؟ قال: ما ظننت إلا أنه الجمعة.
قال: ومرض فعاده أبو حنيفة فقال له: كيف حالك وكيف تجدك؟ قال: بخير، فقال له أبو حنيفة: أطعموك اليوم شيئاً؟ قال: نعم مرقة زب حبيب ورمان، فضحك أبو حنيفة وقال له: أنت في عافية.

الصفحة 133