كتاب فضائل أبي حنيفة وأخباره لابن أبي العوام

701 - حدثنا أبي قال: ثنا أبي قال: حدثني أحمد بن محمد بن سلامة قال: سمعت بكار بن قتيبة القاضي يقول: سمعت أبا الوليد الطيالسي يقول: لما قدم أبو يوسف البصرة حاجاً مع هارون الرشيد اجتمع أصحاب الرأي وأصحاب الحديث على بابه فطلب كل فريق منهم الدخول إليه أولاً، فأشرف عليهم فلم يأذن لفريق منهم، ولم يعنف فريقاً على طلبه الدخول إليه قبل الفريق الآخر، وقال لهم جميعاً: أنا من الفريقين جميعاً، ولا أقدم فرقة على الفرقة الأخرى، ولكني أسال الفريقين عن مسألة، فأيهم أصاب الجواب دخل هو وأصحابه أولاً، ثم أخرج خاتما كان في يده فقال: رجل مضغ خاتمي هذا حتى هشمه، ما الواجب لي عليه؟ قال: فاختلف عليه أصحاب الحديث ولم يعجبه قولهم، وقال له رجل من أهل الرأي: عليه قيمته مصوغاً من الذهب يغرمها لصاحب الخاتم ويأخذ الفضة المهشومة لنفسه إلا أن يشاء رب الخاتم أن يحتبسه لنفسه ولا شيء له على هاشمه، فقال أبو يوسف: يدخل أصحاب هذا القول، فدخل أصحاب الرأي ودخلت معهم، فسأله المستملي فأملى في أول #305# مجلس حديثاً عن الحسن بن صالح ثم كأنه خطر بقلبه شيء أو كلمه رجل بشيء لم أفهمه، فقال: ما أخاف على رجل من شيء خوفي عليه من كلامه في الحسن بن صالح، فوقع في قلبي أنه أراد شعبة، فقمت على قدمي ثم قلت: لله علي ألا أجلس في مجلس يعرض فيه بابي بسطام، ثم خرجت فرجعت إلى نفسي فقلت: هذا قاضي الآفاق ووزير أمير المؤمنين وزميله في حجه وما يضره غضبي أو ينفعه رضائي، فرجعت فجلست حتى فرغ المجلس، فأقبل علي إقبال رجل ما كان له هم غيري، فقال لي: يا هشام، وإذا هو يثبتني لأني كنت عنده ببغداد، والله ما أردت بأبي بسطام سوءاً، ولهو في قلبي أكثر منه في قلبك فيما أرى، ولكني لا أعلم أني رأيت رجلاً مثل الحسن بن صالح.
قال بكار بن قتيبة: فذكرت هذا لهلال بن يحيى فقال لي: أنا والله الذي أجبت أبا يوسف في مسألة الخاتم التي سئل عنها، ولقد كان قتيبة -يعني أبي- حاضر المجلس معنا، وشاهدي: أن أبا يوسف يومئذ أملى علينا باباً من المكاتب فلما فرغ منه قمت إليه من بين الناس فقلت له: ليس هذا قولكم في الصيف، أفنغير ذلك القول ونثبت هذا، أو نغير هذا ونثبت ذلك القول، فقال أبو يوسف: دعوهما فسيأتي من يميز بينهما.

الصفحة 304