كتاب حركة التجديد والإصلاح في نجد

الحاجز المر المستقبل المشرق لهذه الدين. فوجد نفوسا سوية وعقولا صافية صفاء المرآة فطبع عليها ما معه من حق ونفخ فيها من روحه حتى جاءت إليه طائعة مختارة قابلة للحق مقتنعة به مستعدة للبذل في سبيله. فكان بدء دعوته الزمني عام 1153هـ ومولدها الأول في مسجد حريملاء وأداتها في الإصلاح التعليم والتعلم ومستقرها في داخل النفوس، وغايتها رد الناس إلى الله في أصول العقيدة ومنهج الشريعة وأصول التعامل وقواعد الأخلاق والخروج من ضيق الدنيا إلى سعت الدنيا والآخرة. ثم تزايد عدد طلاب العلم لديه وتوسعت مجالسه، وتعددت العلوم التي يدرسها لطلابه في ساعات طويلة من النهار وأطراف من الليل حتى كثر أنصاره وطلابه ومريدوه. ولما انتقل إلى العيينة سار على الطريقة نفسها فأسس مدرسة علمية فيها وتوافد إليه طلاب العلم من داخل العيينة وخارجها وتبعه من كان معه من طلاب العلم في حريملاء. فتوسعت المدرسة وتعددت حلقاتها وصار كبار طلبته يعقدون حلقات العلم للطلاب المبتدئين. ثم ينتقل الطلاب بعد أخذ المبادئ العامة إلى حلقات الشيخ نفسه. وهكذا تتكرر خطوات التوسع حتى استطاع بهذه المدرسة العلمية والأنصار أن يتقدم بدعوته إلى مرحلة الأمر بالمعروف النهي عن المنكر وإقامة بعض الحدود في العيينة، وأن يتسامع الناس بهذه الدعوة في أرجاء الجزيرة العربية ويدرك الوجهاء في المنطقة خطرها عليهم وآثارها البعيدة في حياتهم مما حملهم على إظهار العداء لها. ولما انتقلت الدعوة إلى الدرعية استمرت في تدعيم وجودها من خلال العلم والتعلم في رحاب المساجد، وترسيخ الفهم الصحيح للإسلام، وتشخيص أدواء المجتمع الذي وجدت فيه هذه الحركة الإصلاحية، وتسليط الضوء عليها وفق رؤية علمية صحيحة تستند إلى النصوص الشرعية الثابتة والفهم العربي السليم حتى أتم الله لها ما أراد على يد هذه المدرسة العلمية وإمامها المجدد محمد بن عبد الوهاب.
وقد ذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر إقبال طلاب العلم على الشيخ رحمه الله في الدرعية وصبرهم على طلب العلم وتحملهم في سبليه فقال:"ولما هاجر من هاجر إلى الدرعية واستوطنوها كانوا في أضيق عيش وأشد حاجه وابتلوا ابتلاء شديد فكانوا

الصفحة 203