كتاب اللغة العربية معناها ومبناها

{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء} مع الغفلة عن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} ، ولا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} مع نسيان قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} , ولا قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} مع إهمال قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} . فالآيات التي نهى عن الغفلة عنها من "مقام" فهم الآيات التي اقترنت بها وأريد تفسيرها والاستنباط منها.
ومن قبيل ذلك أيضًا أننا لو نظرنا إلى قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} فاكتفينا بظاهر نصِّ هذه الآية عمَّا يحيط بهذا النص من ظروف أخرى, فقطعنا فهمنا لهذا النص عن مقامه, لكان هذا الفهم فهمًا خاطئًا لرأي الإسلام في الخمر, ولبدا الأمر في النهاية وكأنَّ الإسلام لم يحرِّم الخمر؛ إذ هو يفاضل بين المنافع والإثم في تناولها وفي اجتنابها. ولكن المقام اللازم للفهم الصحيح لهذا النص القرآني يمكن وصفه بعناصر متنوعة منها: حب العرب للخمر, واقترانها في أذهانهم بمفاهيم موقرة جدًّا عندهم؛ كفكرة "المروءة" والسؤود "والعز", كما يمكن فهم ذلك من أشعارهم كمعلقة طرفة ومعلقة عنترة ومعلقة عمرو بن كلثوم, ثم كراهية الإسلام للخمر وعزمه على صرف العرب عنها بغير طفرة, ثم رغبة الإسلام في تألّف القلوب وفي تحبيب المشركين في الدخول في حظيرته, وكذلك رغبته في توقي شحذ المقاومة في نفوسهم مما حدا بالإسلام إلى تجنب تحريم الرق دفعة واحدة, كما تجنَّب تحريم الخمر دفعة واحدة؛ إذ بدأ بالموازنة بين إثمها ونفعها فابتهل الضائقون بالخمر كعمر بن الخطاب إلى الله أن ينزل في الخمر حكمًا شافيًا, فنزل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} ذلك هو المقام الذي ينبغي أن نفهم المقال في ضوئه على أننا لا ينبغي لنا أن ننسى عنصرًا هامًّا من عناصر المقام هنا

الصفحة 349