كتاب اللغة العربية معناها ومبناها

التعريف. ومثل ذلك ما أشرنا إليه في دراسة النبر من اختلاف فيهم الإسناد بين "اذكر الله" و"اذكري الله" بحسب اختلاف مكان النبر في السمع, وكذلك ما أشرنا إليه عند الكلام في الصلة بين النغمة وبين المعنى النحوي في بيت عمر بن أبي ربيعة وفي بيت جميل بن معمر. وأما اختلاف المعنى باختلاف الصيغة ووظيفتها, فهذا واضح من كل سطر خططته في الكلام عن النظامين الصرفي والنحوي تقريبًا. ونستطيع هنا كذلك أن نعطي مثالًا بأن نسوق جملة: "هذا محرَّم شرعًا" لأن فهم المنصوب هنا يتوقف على القرينة المعنوية التي تؤخذ عادة من السياق بمعونة القرائن الحالية التي في المقام, فإذا فهمنا من المقام معنى السببية كان هذا المعنى قرينة معنوية على أن هذا المنصوب مفعول لأجله, وإذا فهمنا منه معنى الواسطة كانت الواسطة قرينة معنوية على أن المنصوب هنا إنما هو على نزع الخافض, وإذا فهمنا من المقام معنى الظرفية فالنصب كذلك على نزع الخافض, وإذا فهمنا منه بيان النوع كان النصب على معنى النائب عن المفعول المطلق. ويمكن عند النظر في جملة: "صعدت علوًّا" أن تختلف معاني المنصوب على النحو التالي:
1- المفعول به إذا فهمنا من المقام "تعدية", ويكون المعنى: "صعدت مكانًا عاليًا".
2- نائب المفعول المطلق إذا فهمنا من المقام "توكيدًا", والمعنى حينئذ: "علوت علوًّا".
3- المفعول لأجله إذا فهمنا من المقام "سببية", والمعنى على ذلك: "صعدت لأعلو".
وكما أن المعنى الوظيفي يحدِّده النظام في اللغة, والموقع في السياق, كما يحدد العرف الاعتباطي المعنى المعجمي الذي يربط بين الكلمة ومدلولها, فكذلك يعين المقام أولًا على تحديد هذه المعاني جميعًا بما يستفاد منه من القرائن المعنوية, ويعين ثانيًا على استكمال المعنى الدلالي الأكبر في إطار الثقافة الشعبية. ولإيضاح هذه النقطة الأخيرة يمكن أن نضرب مثلًا بكلمة "خليفة" التي يختلف معناها باختلاف المقام من مقارنة العبارات الآتية:

الصفحة 354