كتاب التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة (اسم الجزء: 1)

في الأنف من قذر، وذلك لا يذهب بنفس خروج الماء بذاته أو (¬1) بدفع النفَس.
وقوله (¬2): "لا يتوضأ بشيء من الأنبذة، والتيمم أحب إلي من ذلك". قال عبد الحق (¬3): "أحب" هنا بمعنى الوجوب؛ لأن العرب تفاضل بين شيئين وإن لم يتساويا. واحتج بقوله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ} (¬4)، وشبه هذا.
وقوله (¬5) بعد: "لا يتوضأ من شيء من الطعام والشراب"، كذا روايتنا، وبه تصح المسألة، أي (¬6) لا يلزم آكله وشاربه وضوء، ويدل عليه قوله آخرها (¬7): "ولكن يتمضمض من اللبن ويغسل الغمر إذا أراد الصلاة"، وإنما هذا السؤال على مسألة الوضوء مما مست النار ومن لحوم الإبل التي خولفنا فيها. وفي بعض الأمهات (¬8): "بشيء" مكان "من شيء". وقال أبو عمران: معناه لشيء. وكذا وقع في بعض الأمهات: "لشيء"، وهو بمعنى "من
¬__________
= غير أن يضع يده على أنفه؟ فأنكر ذلك وقال: لا أعرفه، كأنه يرى أنه يضع يده إذا أراد أن يستنثر". (البيان: 1/ 92).
(¬1) كذا في ز وخ، وفي ق وس ول: إلا. ولعله الأرجح.
(¬2) المدونة: 1/ 4/ 7.
(¬3) عبد الحق بن محمَّد بن هارون التميمي الصقلي، أخذ عن شيوخ صقلية كأبي بكر بن أبي العباس وأبي عبد الله الأجدابي، وتفقه مع أبي إسحاق التونسي والسيوري، ولقي القاضي عبد الوهاب في الحج. وكان فقيها فهما صالحا دينا، مقدما بعيد الصيت مليح التأليف، له كتاب النكت والفروق لمسآئل المدونة وكتاب تهذيب الطالب في شرح المدونة، وكتاب في انتقاد تهذيب البراذعي وجزء في ضبط ألفاظ المدونة. والظاهر أن القاضي عياضا أفاد من هذا الجزء في ضبط عدد من ألفاظ الكتاب. توفي عبد الحق بالإسكندرية بعد عام 460 (انظر المدارك: 8/ 71 - 73).
(¬4) الفرقان: 15.
(¬5) المدونة: 1/ 4/ 8.
(¬6) في م: إذ.
(¬7) المدونة: 1/ 4/ 10.
(¬8) وكذا اختصره البراذعي في التهذيب، ص: 1.

الصفحة 32