كتاب شرح العقيدة الواسطية للهراس

{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (¬1) .
وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْإِرَادَتَيْنِ؛ بَلْ قَدْ تتعلَّق كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأُخْرَى، فَبَيْنَهُمَا عمومٌ وخصوصٌ مِنْ وَجْهٍ.
فَالْإِرَادَةُ الْكَوْنِيَّةُ أعمُّ مِنْ جِهَةِ تعلُّقها بِمَا لَا يحبُّه اللَّهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وأخصُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِمِثْلِ إِيمَانِ الْكَافِرِ وَطَاعَةِ الْفَاسِقِ.
وَالْإِرَادَةُ الشَّرْعِيَّةُ أعمُّ مِنْ جِهَةِ تعلُّقها بِكُلِّ مَأْمُورٍ بِهِ وَاقِعًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَاقِعٍ، وأخصُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِالْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَأْمُورٍ بِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِرَادَتَيْنِ قَدْ تَجْتَمِعَانِ مَعًا فِي مِثْلِ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِ، وَطَاعَةِ الْمُطِيعِ.
وَتَنْفَرِدُ الْكَوْنِيَّةُ فِي مِثْلِ كُفْرِ الْكَافِرِ، وَمَعْصِيَةِ الْعَاصِي.
وَتَنْفَرِدُ الشَّرْعِيَّةُ فِي مِثْلِ إِيمَانِ الْكَافِرِ، وَطَاعَةِ الْعَاصِي.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ ... } الْآيَةَ؛ هَذَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ حِكَايَةً عَنِ الرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ لِزَمِيلِهِ الْكَافِرِ صَاحِبِ الجنَّتين؛ يَعِظُهُ بِهِ أَنْ يَشْكُرَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ، ويردَّها إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ، وَيَبْرَأَ مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ ... } الْآيَةَ؛ إخبارٌ عَمَّا وَقَعَ بَيْنَ أَتْبَاعِ الرُّسُلِ مِنْ بَعْدِهِمْ: مِنَ التَّنَازُعِ، وَالتَّعَادِي بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَحَسَدًا، وأنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْ شَاءَ عَدَمَ حُصُولِهِ مَا حَصَلَ، وَلَكِنَّهُ
¬_________
(¬1) البقرة: (185) .

الصفحة 100