كتاب شرح العقيدة الواسطية للهراس

{مُؤْمِنًا} عَنْ قَتْلِ الْكَافِرِ، وَبِقَوْلِهِ: {مُّتَعَمِّدًا} - أَيْ: قَاصِدًا لِذَلِكَ، بِأَنْ يَقْصِدَ مَن يَعْلَمُهُ آدَمِيًّا مَعْصُومًا، فَيَقْتُلَهُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ - عَنِ الْقَتْلِ الْخَطَأِ.
وَقَوْلُهُ: {خَالِدًا فِيهَا} ؛ أَيْ: مُقِيمًا عَلَى جِهَةِ التَّأْبِيدِ، وَقِيلَ الْخُلُودُ: الْمُكْثُ الطَّوِيلُ.
وَاللَّعْنُ: هُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَاللَّعِينُ وَالْمَلْعُونُ: مَنْ حَقَّت عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ، أَوْ دُعِي عَلَيْهِ بِهَا.
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تدلُّ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا لَا تَوْبَةَ لَهُ، وَأَنَّهُ مخلَّد فِي النَّارِ، وَهَذَا معارضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} (¬1) .
وَقَدْ أَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِعِدَّةِ أَجْوِبَةٍ؛ مِنْهَا:
أَنَّ هَذَا الْجَزَاءَ لِمَنْ كَانَ مُسْتَحِلًّا قَتْلَ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا.
أَنَّ هَذَا هُوَ الْجَزَاءُ الَّذِي يستحقُّه لَوْ جُوزِيَ، مع إمكان أن لا يُجَازَى، بِأَنْ يَتُوبَ أَوْ يَعْمَلَ صَالِحًا يَرْجَحُ بِعَمَلِهِ السَّيِّئِ.
أَنَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ مَوْرِدَ التَّغْلِيظِ وَالزَّجْرِ.
أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُلُودِ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ كَمَا قَدَّمْنَا.
وَقَدْ ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا لَا تَوْبَةَ لَهُ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
((إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، وَلَمْ يَنْسَخْهَا شيءٌ)) (¬2) .
¬_________
(¬1) النساء: (48) .
(¬2) رواه البخاري في تفسير سورة النساء، (باب: قوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا} (8/257-فتح) ، وفي تفسير سورة الفرقان، ومسلم في التفسير (18/365-نووي) ، وأبو داود، والنسائي.
وانظر إن شئت كتاب ((تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة)) (1/259-264) ، ففيه مبحث لطيف عن هذه المسألة.

الصفحة 110