كتاب شرح العقيدة الواسطية للهراس

ـ[يَشْعُرُونَ} (¬1) ، وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} (¬2)) .]ـ
/ش/ وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَال ... } إِلَخْ؛ تضمَّنت هَذِهِ الْآيَاتُ إِثْبَاتَ صِفَتَيِ الْمَكْرِ وَالْكَيْدِ (*) ، وَهُمَا مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيَّةِ.
وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يشتقَّ لَهُ مِنْ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ اسْمٌ، فَيُقَالَ: مَاكِرٌ، وَكَائِدٌ؛ بَلْ يُوقَفُ عِنْدَ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ مِنْ أَنَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ، وَأَنَّهُ يَكِيدُ لِأَعْدَائِهِ الْكَافِرِينَ.
أَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَال} ِ؛ فَمَعْنَاهُ: شَدِيدُ الْأَخْذِ بِالْعُقُوبَةِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} (¬3) ، {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (¬4) .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
((مَعْنَاهُ: شَدِيدُ الحَوْل)) .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
((شَدِيدُ القوَّة)) .
وَالْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} ؛ فَمَعْنَاهُ: أَنْفَذُهُمْ وَأَسْرَعُهُمْ
¬_________
(¬1) النمل: (50) ، والآيتان قبلها: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُون} .
(¬2) الطارق: (15) .
(¬3) البروج: (12) .
(¬4) هود: (102) .
Qقرر ابن القيم في «الصواعق» أن الله تعالى لم يصف نفسه بالمكر والكيد والاستهزاء والخداع مطلقا بل على وجه الجزاء لمن فعل ذلك، وهو حسن، وإن أفعال هذه الألفاظ لا يجوز إطلاقها على الله تعالى، ولا يشتق له منها أسماء لأنها تمدح في موضع، وتذم في موضع أتى ابن القيم في ذلك بما لا يستغنى عنه لولا الإطالة، ومن كلامه ذلك يتبين مراد شيخ الإسلام بإيراد قوله تعالى: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) ، وقوله: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) ، وقوله: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا) في هذا الكتاب. إسماعيل الأنصاري. [ص 72]

الصفحة 123