كتاب شرح العقيدة الواسطية للهراس

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مشتقٌّ.
واختُلِفَ فِي مَبْدَأِ اشْتِقَاقِهِ، فَقِيلَ: مِنْ أَلَهَ يَأْلَهُ أُلوهَةً وإِلاهَةً وأُلوهِيةً؛ بِمَعْنَى: عبدَ عِبَادةً.
وَقِيلَ: مِنْ أَلِهَ - بِكَسْرِ اللَّامِ - يَأْلَهُ - بِفَتْحِهَا - أَلَهًا؛ إِذَا تحيَّر.
وَالصَّحِيحُ الأوَّل، فَهُوَ إلهٌ؛ بِمَعْنَى مأْلوهٍ؛ أَيْ: مَعْبُودٍ. وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُما:
((اللهُ ذُو الإلهيةِ والعُبوديةُ عَلَى خَلْقِهِ أَجْمَعِينَ)) (¬1) .
وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِقَاقِ يَكُونُ وَصْفًا فِي الْأَصْلِ، وَلَكِنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ العَلَمِيَّة، فَتَجْرِي عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْأَسْمَاءِ أَخْبَارًا وَأَوْصَافًا؛ يُقَالُ: اللَّهُ رحمنٌ رحيمٌ سميعٌ عليمٌ؛ كَمَا يُقَالُ: اللَّهُ الرَّحمن الرَّحيم ... إِلَخْ.
وَ ((الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)) : اسْمَانِ كَرِيمَانِ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، دالاَّن عَلَى اتِّصافه تَعَالَى بِصِفَةِ الرَّحْمَةِ، وَهِيَ صِفَةٌ حقيقيَّة لَهُ سُبْحَانَهُ، عَلَى مَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا لَازِمُهَا؛ كَإِرَادَةِ الْإِحْسَانِ وَنَحْوِهِ؛ كَمَا يَزْعُمُ الْمُعَطِّلَةُ، وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
واختُلِفَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا:
فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِـ (الرَّحْمَنِ) الَّذِي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ صِيغَةَ (فَعْلان) تدلُّ عَلَى الِامْتِلَاءِ وَالْكَثْرَةِ، وَ (الرَّحِيمِ) الَّذِي يختصُّ بِرَحْمَتِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ.
¬_________
(¬1) روى هذا الأثر ابن جرير في تفسير البسملة، وقال الشيخ أحمد شاكر: ((إسناد هذا الخبر ضعيف)) .
انظر: ((تفسير الطبري)) ، تحقيق: أحمد شاكر (1/123) .

الصفحة 47