كتاب الاختلاط بين الرجال والنساء (اسم الجزء: 2)

أجوبةُ أهلِ العلم والإيمان عن هذين الإشكالين:
أمَّا الإشكالُ الأوَّل:
وهو أنّ ظاهر الحَدِيث يوهم الخلوة، فالإجابة عنه أنّ الحَدِيثَ ليسَ فيه التصريح بالخلوة أو عدم الخلوة فإذا كان كذلك رجع إلى الأصل وهو تحريمه - صلى الله عليه وآله وسلم - القطعيّ للخلوة بالمرأة الأجنبية، وقد أشار إلى هذا المعنى اِبْن عَبْد الْبَرِّ فَقَالَ بعد أن ذكر المحرمية:: «والدليل على ذلك ... ـ ثم ساق حَدِيث جابر، وعمر بن الخطاب، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعقبة بن عامر في النهي عن الخلوة ـ وهذه آثار ثابتة بالنهي عن ذلك، ومحال أنْ يأتي رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما ينهى عنه» (¬1).
وَقَالَ الدِّمْيَاطِيّ: «لَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يَدُلّ عَلَى الْخَلْوَة بها؛ فلعل ذاك كَانَ مَعَ وَلَد أَوْ خَادِم أَوْ زَوْج أَوْ تَابِع، والعادةُ تقتضي المخالطة بين الْمَخْدُوم وَأَهْل خَادِمه، سيّما إذا كنَّ مسنَّات مع ما ثبت له - صلى الله عليه وآله وسلم - من العصمة» (¬2).
قَالَ ابنُ حَجَر: «قُلْتُ: وَهُوَ اِحْتِمَال قَوِيّ» (¬3).
وكثيرًا ما يقع في الكتابِ والسنةِ ترك بيان بعض الأمور في موضع لائق به اعتمادًا على وضوحها وظهورها، أو اعتمادا على بيانها في موضع آخر، وليس هذا بأكثر من مجيء عموم أو إطلاق في القرآن ومجيء تخصيصه أو تقييده في السنة.
ولو ثبتت الخلوة صراحة في الحَدِيث لم تضر لأنّ أُمّ حَرَام خالة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الرَّضَاعَ أو أنَّ ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وآله وسلم -.
¬_________
(¬1) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (1/ 226).
(¬2) عمدة القاري (14/ 86).
(¬3) فتح الباري (11/ 78) ..

الصفحة 358