كتاب الاختلاط بين الرجال والنساء (اسم الجزء: 2)
أمَّا الإشكال الثاني:
وهو فَلْيُ أُمّ حَرَام لرأس النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقد تعددت آراء العلماء في ذلك على أقوال:
القولُ الأَّولُ: أنّ من خصائص النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - إباحة النَّظَرِ لِلأَجْنَبِيَّاتِ وَالْخَلْوَةِ بِهِنَّ وَإِرْدَافِهِنّ، ويدخل في ذلك تفلية الرأس وغيره.
ولكن يضَعّف هذا القول امتناع النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - عن مصافحة النساء في البيعة والاكتفاء بالكلام، فهذا الامتناع في هذا الوقت الذي يقتضيه ـ وهو وقتُ المبايعة ـ دليلٌ على عدم الخصوصية، وإلاَّ فبماذا يُفسر هذا الامتناع في هذا المقام الذي يقتضي عدم الامتناع؟!.
وكذلك حَدِيث صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلانِ مِنْ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ» فَقَالا: «سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ»، وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا» (رواه البخاري ومسلم).
فلو كان مستقرًا عند الصحابة هذا المعنى لما احتاج النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يقول للصحابيين ما قَالَ.
القولُ الثاني: أنّ هذا خاصٌ بأُمّ حَرَام وأختها أُمّ سُلَيْم.
ويرد على هذا القول الاعتراضات السابقة نفسها، ويزاد: لماذا خُصَّتْ أُمّ سُلَيْم وأختها بهذه الخصوصية.
القولُ الثالث: أنّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَحْرَم لأُمّ حَرَام؛ فبينهما إمَّا قرابة نسب أو رضاع.
الصفحة 359
688