كتاب الوفا بما يجب لحضرة المصطفى

كاد أن ينفطر قلبي ويطير لبي لما وقع من التقصير الجسيم، وبعد تنظيف ذلك المحل العظيم، الذي أوجب الله تعالى تعظيمه، وتوقيره وتكريمه، وجعله أشرف الأماكن كما ساكنه أشرف ساكن، بإجماع هذه الأمة كما نقله الأئمة، كالقاضي عياض وابن عساكر، وحققه السبكي وغيره كما ذكرناه في الأصل وستأتي الإشارة إليه، حتى صرح ابن عساكر وغيره بتفضيله على الكعبة الشريفة.
…وعبارة العلامة تاج الدين الفاكهاني في كتابه (البدر المنير) قالوا: لا خلاف أن البقعة التي ضمت أعضاء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض على الإطلاق حتى موضع الكعبة المعظمة ثم قال: وأقول أنا، وأفضل بقاع السموات أيضاً ولم أر من تعرض لذلك، والذي أعتقده أن ذلك لو عرض على علماء الأمة لم يختلفوا فيه، وقد جاء أن السموات تشرفت بمواطئ قدميه، صلى الله عليه وسلم، بل لو قال قائل أن جميع بقاع الأرض أفضل من بقاع السماء لشرفها بكون النبي صلى الله عليه وسلم حالاً فيها لم يبعد، بل هو عندي الظاهر المتعين، انتهى.
…قلت: وما بحثه في تفضيل الأرض على السماء مصرح به.
قال العلامة ابن العماد في كتاب (كشف الأسرار): وأما تفضيل السماء على الأرض فقد اختلفوا فيه. قال الشيخ جلال الدين إمام الفاضلية: والأكثرون على تفضيل الأرض لأن الأنبياء خلقوا منها وعبدوا الله فيها ودفنوا فيها.
وقد روى أبو هريرة مرفوعاً أن غلظ كل أرض سبعماية سنة وأن غلظ كل سماء خمسماية سنة، رواه أحمد في المسند، انتهى
فمن فضل الأرض على السماء لا يشك في تفضيل تلك البقعة الشريفة على السماء، ومن خالف في ذلك فالظاهر أنه يستثني تلك البقعة سيما إذا قلنا بما قاله ابن عبد السلام من أن الأماكن والأزمان متساوية من حيث ذاتها وإنما يفضلان بما يقع فيهما لا بصفات قائمة بهما. قال: ويرجع التفضيل إلى ما ينيل الله العباد منهما من كرمه، انتهى

الصفحة 106