كتاب الوفا بما يجب لحضرة المصطفى

فقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عليه من الرحمة والرضوان والملائكة وله عند الله تعالى من المحبة ولساكنه ما تقصر العقول عن إدراكه وليس ذلك لمكان غيره كما قال السبكي، قال: وكيف لايكون أفضل وإن لم يكن محل عمل لنا لأنه ليس مسجداً لإله حكم بل هو مستحق للنبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً فالأعمال مضاعفة فيه باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم حي وأعماله مضاعفة أكثر من كل أحد.
قال السبكي: ومن فهم هذا الشرح لما ذكره القاضي من التفصيل باعتبارين، أحدهما: ما قيل أن كل أحد يدفن بالموضع الذي خلقه منه.
والثاني: تنزل الرحمة والبركات عليه وإقبال الله، ولو سلم أن الفضل ليس للمكان ذاته ولكن لأجل ما حل فيه صلى الله عليه وسلم، انتهى.
… قلت: ولك أن تستدل على ذلك أيضاً بأن القبر الشريف أفضل من رياض الجنة كما أتى وقد قال صلى الله عليه وسلم (لقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) والله أعلم.
وبالجملة فأنا لا أشك في وجوب إزالة ما أصاب ذلك المحل الشريف من الهدم، ولعمري أني أود لو أزلته بجفوني، ونظفته بماء عيوني، بل بسويداء قلبي العليل، ولكن ليس إلى ذلك سبيل، وكيف وقد أوجب الله تعالى علينا المبالغة في تعظيمه صلى الله عليه وسلم وتوقيره، كم جاءت به الآيات الناصة، العامة والخاصة، قال الله تعالى: (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه)، قال أئمة المفسرين: تعزروه بجلوه وبالغوا في تعظيمه وانصروه وأعينوه.
وقال تعالى: (ومن يعظم حرمات الله فهو خير له)، وقال تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم شعائر الله، وقال تعالى: (يا أيها الذين أمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول) الآية.
وقال تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) الآية.
وقد صرحت الآيات أيضاً بإلزام الأنبياء قاطبة التعظيم له صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلاً.

الصفحة 107