كتاب الوفا بما يجب لحضرة المصطفى

يكون رآهما من ذلك الموضع، كما يقال: رأيت الهلال من منزلي من الطاق، والمراد موضع الطاق. ثانيهما: أن يكون مثل له صورتهما في عرض الحائط والقدرة صالحة لكليهما.
…الثاني من الوجوه: أن يكون عاين أرواحهم هناك من صورهم.
…الثالث: أن يكون الله تعالى لما أراد إسراء نبيه رفعهم من قبورهم لتلك المواضع إكراماً لنبيه وتعظيماً حتى يحصل له من قبلهم ما قد أشرنا إليه من الأنس والبشارة وغير ذلك مما لم نشر إليه ولا نعلمه نحن إظهاراً للقدرة التي لا يغلبها شيء ولا تعجز عن شيء، وكل هذه الوجوه محتملة ولا ترجيح لأحدهما على الآخر إذ أن القدرة صالحة لكلها، انتهى.
…ومما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم في قبره المكرم، زيادة على ما تقدم، واقعة السلطان السعيد، نور الدين الشهيد، المشهورة، وقد ذكرها مؤرخو المدينة الشريفة وغيرهم.
قال الشيخ مجد الدين الشيرازي في تاريخه: من الحوادث بالمسجد الشريف ما نقله جماعة من مشايخ المدينة وعلمائها أن السلطان الملك السعيد نور الدين الشهيد محمود بن زنكي لما كان في عام سبع وخمسين وخمسماية رأى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات المنام في النوم في ليلة واحدة وهو يقول له في كل مرة: (يا محمود أنقذني من هذين الشخصين أشقيرين تجاهه)، فاستحضر وزيره قبل الصبح فذكر له ذلك، فقال له: هذا أمر قد حدث في مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ليس له غيرك، فتجهز وخرج على عجل ومعه ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك حتى دخل المدينة على غفلة من أهلها والوزير معه فزار وجلس في المسجد لا يدري ما يصنع فقال له الوزير: أتعرف الشخصين؟ قال: نعم وطلب الناس عامة للصدقة وفرق عليهم ذهباً كثيراً وفضة وقال: لا يبقين بالمدينة أحد إلا جاء فلم يبق إلا رجلان مجاوران من أهل الأندلس نازلان في الناحية التي تلي حجرة النبي صلى الله عليه وسلم من خارج المسجد عند دار آل عمر بن الخطاب رضي الله عنه

الصفحة 127