كتاب الوفا بما يجب لحضرة المصطفى

الجند وما منعهم من السرعة إلى ذلك أن البلاد كانت لهم ولما رأى أبو الفتوح ذلك قال لهم: الله أحق أن نخشى والله لو كان علي من الحاكم فوات الروح ما تعرضت للموضع وحصل له من ضيق الصدر ما أزعجه كيف نهض في مثل هذه المخزية فما انصرف نهار ذلك اليوم حتى أرسل الله ريحاً كادت الأرض تزلزل من قوتها حتى دحرجت الإبل بأقتابها والخيل بسروجها كما تدحرج الكرة على وجه الأرض وهلك أكثرها وخلق من الناس فانشرح صدر أبي الفتوح وذهب روعه من الحاكم لقيام عذره.
…وقد قال العلامة القونوي بعد ما قدمنا عنه: ولا ينبغي أن يظن انقطاع التفاتهم إلى قبورهم بالكلية ولا انقطاع التعلق بينها وبينهم بدليل استحباب زيارتها في عامة الأوقات وما ذاك إلا أن بينها وبينهم علاقة مستمرة غير منقطعة فلها بهم اختصاص خاص الله أعلم بكيفيته وكذلك قبور سائر المؤمنين بينها وبين أرواحهم نسبة خاصة مستمرة فرفعوا بها في نزول قبورهم ويردون السلام على من سلم عليهم ثم أورد أحاديثاً كثيرة في الدلالة على ذلك ثم قال: وكل ذلك يدل على أن الأموات يسمعون والسمع من الأعراض المشروطة بالحياة فهم أحياء إلا أن حياتهم دون حياة الشهداء. انتهى
والتحقيق في هذه المسألة ما قدمناه عن السبكي وقد أوردوا أن صلاة موسى عليه السلام في قبره سؤالاً هو: أن الصلاة من أعمال الدنيا وقد فارقها فأجاب بعضهم بأن الصلاة هنا بمعنى الدعاء والذكر وهو من أعمال الآخره وطرد هذا الإشكال أيضاً في صلاته صلى الله عليه وسلم بهم في حديث الإسراء وفي قوله صلى الله عليه وسلم (كأني أنظر إلى موسى هابطاً من الثنية له جوار إلى الله بالتلبية) وفي قوله في يونس (رأيته وهو يلبي) قال القاضي عياض: فإن قيل كيف يحجون ويلبون وهم في الدار الآخرة وليست دار عمل فاعلم أن للمشايخ فيما ظهر عن هذا أجوبة أحدها: أنهما أفضل من الشهداء والشهداء أحياء عند ربهم فلا يبعد أن يحجوا ويصلوا كما ورد في الحديث الآخر وأن يتقربوا إلى الله ما استطاعوا

الصفحة 132