كتاب الوفا بما يجب لحضرة المصطفى

لأنهم وإن كانوا توفوا في هذه الدنيا التي هي دار العمل حتى إذا فنيت مدتها وتعقبتها الآخره التي هي دار الجزاء انقطع العمل.…الثاني: أن عمل الآخرة ذكر ودعاء قال تعالى: (دعواهم فيها سبحانك اللهم)
…الثالث: أن يكون هذا رؤية منام كما قال في رواية ابن عمر: (بينما أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة) الرابع: أنه رأى حالهم التي كانت في حياتهم ومثلوا له كيف كانوا في حياتهم وكيف كان حجهم وتلبيتهم يدل عليه قوله: كأني أنظر إلى موسى كأني أنظر إلى يونس كأني أنظر إلى عيسى.…الخامس: أن يكون أخبر عما أوحى إليه صلى الله عليه وسلم من أمرهم وما كان منهم وإن لم يرهم رؤية عين إلا أن تحقق ذلك حتى صار يتقنه له كالمشاهدة بدليل قوله كأني أنظر. انتهى.
وقال السبكي: الوجه الأول والثاني يلزم منهما الحياة والثالث لا يأتي فيه ليلة الإسراء والرابع والخامس إنما يأتيان في الحج والتلبية ونحوهما أحد جوابين أما أن نقول البرزخ ينسحب عليه أحكام حكم الدنيا في الاستكثار من الأعمال وزيادة الأجور وهذا الجواب الأول الذي ذكر القاضي وإما أن نقول أن المنقطع في الآخرة إنما هو التكليف وقد تحصل الأعمال من غير تكليف على سبيل التلذذ بها والخضوع لله تعالى فانظر إلى سجود رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الشفاعة أليس في ذلك عبادة وعملاً ولا يمتنع حصول هذه الأعمال في مدة البرزخ ويكفي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في قبره.
…قال الشيخ علاء الدين القونوي: لا يبعد أن يقال أرواح الأنبياء عليهم السلام بعد المفارقة بمنزل الملائكة وأفضل منهم وكما أن الملك يتمثل في صور مختلفة يجوز أن تكون أرواحهم كذلك وقد كان جبرائيل عليه السلام يتمثل للنبي صلى الله عليه وسلم وفي صورة دحية ويتمثل لمريم بشراً سوياً ومن الممكن أن يخص الله تعالى بعض عباده في الحياة أيضاً بهذه الخاصة فيرزقه قوة يقدرها على التصرف في بدن آخر غير بدنها المعهود مع استمرار تصرفها في الأول وفد قيل في الأبدال إنهم إنما سموا أبدالاً لأنهم قد يرحلون إلى مكان ويقيمون في مكانهم الأول

الصفحة 133