كتاب الوفا بما يجب لحضرة المصطفى

كوم عظيم أمامه فلما أرضاه قام وأكمل خطبته وصلى بالناس وانصرف أهل التحصيل باكين على الدين يائسين من فلاح الدنيا متحققين أشراط القيامة ولله الأمر من قبل ومن بعد انتهى كلام ابن جبير من رحلته نقلته ملخصاً. وذكر غيره أن ذلك كان دأبهم في كل موسم وإذا كان هذا فعلهم في الموسم مع حضور الحج من أقطار الأرض لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة صلاة الجمعة فما ذاك وإن كان هذا فعل خطيبهم فماذاك بغيره فلقد طهر الله تعالى حجرة رسوله صلى الله عليه وسلم من دخول هؤلاء القوم وحرمهم الفوز بإزالة ما أصاب ذلك المحل
الشريف بل لم يصب المسجد الشريف بذلك إلا لعظيم جرمهم كما أشار إليه بعضهم ولهذا أنشد بعضهم شعراً ذلك الزمان:
قل للروافض بالمدينة ما بكم لقيادكم للذم كل سفيه
ما أصبح الحرم الشريف محرقاً إلا لسبكم الصحابة فيه
وأنشد بعضهم أيضاً:
لم يحترق حرم النبي لحادث يخشى عليه وما به من عار
لكنما أيدي الروافض لامست تلك الرسوم فظهرت بالنار
…وقد أنذرهم الله تعالى في ذلك العام الذي احترق فيه المسجد الشريف بظهور النار العظيمة المشهورة وهي حادثة مهولة عظيمة لم يسمع بمثلها وذلك أنه لما كان ليلة الأربعاء ثالث شهر جمادى الآخرة في عام أربع وخمسين وستمائة حدث بالمدينة الشريفة في الثلث الأخير من الليلة زلزلة عظيمة ورجفة قوية أشفق الناس منها ووجلت القلوب من صدمتها وانزعجت الخلائق لهيبتها وبقيت الليل واستمرت إلى يوم الجمعة ولها دوي مثل دوي الرعد القاصف، ثم ظهرت نار عظيمة مثل المدينة العظيمة من در وادي يقال له وادي الأحيلين وسارت هذه النار من مظهرها إلى جهة الشمال فخاف عند ذلك أهل المدينة واستولى عليهم الوجل والاشفاق وأيقنوا أن العذاب قد أحاط بهم

الصفحة 144