درهم وكان عنده معرفة ومداراة فقال: أنا لا أتولى حتى يحضر الأمير منصور بن جماز فقال له السراج: قد جاءني من السلطان مرسوم بكذا وأنا لا أقبل حتى تكون أنت المولى لي إن لم تكن معي ما يتم أمري ولم ينفذ حكمي فقال له: قد رضيت وأذنت فاحكم ولا تغير شيئاً من أحكامنا ولا حكامنا فاستمر الحال على ذلك فصار السراج بين المجاورين وأهل السنة فلا يقدر أحد على الكلام في الأمور هو وأمر الحبس راجع إليهم والأعوان مختص بهم والاسجالات تثبت عليهم والسراج يستعين بأعوانهم واستمر ذلك مدة السراج وكان عنده صبر عظيم واحتمال كثير ثم صار بعد القضاء يأتي من مصر على هذه الحالة من مشاركة آل سنان لهم في الأمر إلى أن كتب القاضي بدر الدين القيسي في الشكاية على طفيل أمير المدينة إلى السلطان الملك الناصر وكان القاضي شرف الدين الأميوطي سبقه لذلك.
أنهى أيام ولايته فعزله السلطان وولى سعد بن ثابت فلما استقر بالمدينة بدأ يمنع آل سنان وغيرهم من التعرض للأحكام وعقد الأنكحة ورد الأمر جميعه لأهل السنة تقرباً إلى قلوب السلطنة بإظهار السنة وأهلها وإخماد البدعة وأهلها وأمر بالبدء بذلك في المدينة الشريفة في الثامن والعشرين من ذي الحجة أحد شهور سنة خمسين وسبعمائة فمن يومئذ انقطع أمرهم ونهيهم بالكلية وظهرت السنة واجتمعت الكلمة. انتهى ما ذكره ابن فرحون، وفي كلام غيره نحو ذلك أيضاً وإنما ذكرنا هذه الأمور كلها ليظهر لك حال من كان له الأمر في المدينة الشريفة في ذلك الزمان فلا يخطر ببالك أنه لو كان الأدب في إزالة ما أصاب ذلك المحل الشريف لما تقاصرت عنه همم أهل المدينة الشريفة في ذلك الزمان ولو لم يكن إلا اتصافهم بالبدعة لكان كافياً لأن البدعة تظلم القلب فلا يميز صاحبها بين الخطأ والصواب نسأل الله السلامة والعافية فإن قيل: فهل لا أزيل ذلك بعد رجوع شيء من الأمر لأهل السنة بالمدينة الشريفة ولم أخر ذلك إلى يومنا هذا وهلا بادر أهل بغداد للنظر في هذا الأمر؟ قلنا: الشيء إذا كان حكمه معلوماً من جهة الشرع يتعين فعله، ولا ينظر إلى كون من تقدم لم يفعله، والاستدلال بفعل من تقدم إنما يكون في شيء لا يعلم حكمه