خزائن الكتب الخاصة وعم الحريق أكثر الأماكن حتى القصور البرانية مثل الحلة وترب الرصافة مدفن ولاة الخلافة وشوهد يخت مدفن الإمام المستنصر بالله عظام الخلفاء ورؤسهم وأثار الحريق وشوهد على بعض حيطانها مكتوب:
إن ترد عبرة فهذي بني العباس… دارت عليهم الدايرات
استبيح الحريم إذ قتل الأحياء …منهم وأحرق الأموات
ولم يسلم من الحريق إلا ما سكنه عسكر هولاكو في الوقعة، وقد جافت القتلى وامتزجت بالأوحال حتى لم يبق للمار في الأسواق موضع قدم إلا على قتيل ووجد في كثير من المواضع جثث القتلى كالتلول الكبار وشاهد من سلم من الأهوال ما لا يعبر عنه ثم عم الوباء وكثرة الموت والفنا، وثار الذباب على الناس حتى غطى الجدران ووصلت قوافل الحلة بأنواع المأكول وكانوا يتعرضون للكتب المجلدة النفيسة كل مجلد بفلس، فإن خزائن الوقوف نهبت واحترقت الكتب وألقيت تحت أرجل الدواب، وشوهد بالمدرسة المستنصرية معالف للدواب مبنية بالكتب موضع اللبن، وكذا كان بباقي سوق النظامية، قال: وبالجملة فلم يسمع في قديم الزمان بأعظم من هذه الحادثة، ويقال أن هولاكو أمر بعد القتلى فبلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف وكسر، فعند ذلك نوى بالأمان ثم هلك ابن العلقمي في السنة المذكورة قبل شهر رجب، وخيب الله أمله، وانعكست عليه آراؤه وأكل يده ندماً، فإنه بعد تلك الرتبة الرفيعة ووزارة العراق منفرداً أربع عشرة سنة منفرداً ولي وزارة التتار مشاركاً لغيره وانحطت رتبته، حتى كان يركب كديشاً فصاحت عليه امرأه: يا ابن العلقمي، هكذا كنت تركب في أيام أمير المؤمنين؟! وكان ذا حقد وغل لأهل السنة.
وكان المستعصم آخر الخلفاء العراقيين، وكانت دولتهم خمسمائة سنة وأربعاً وعشرين سنة، وكان هذا الخليفة كريماً حليفاً سليم الباطن ولكنه كان لا يخرج عن رأي ابن العلقمي، فدبر هذه المكيدة حتى أهلكت المسلمين.