كتاب التحفة اللطيفة في عمارة المسجد النبوي وسور المدينة الشريفة

آصف عصره، ولقمان دهره، حضرة سليمان باشا أعز الله تعالى مقامه وأدام أيامه، بأن يتقدم المقام العالي بتجهيز المال من الخزانة الشريفة بالقاهرة المحروسة، لعمارة سور المدينة المنورة، وتجهيز ما يحتاج إلى ذلك من الدواب والعدد والمعلمين البناين والحمارين وغيرهم، وتجهيز ما يحتاج ذلك من الغلال بالسمع والطاعة وشمر على ساق الجد والاجتهاد، لما يعود نفعه لأشرف البلاد وجهز الأموال الشريفة صحبة الجناب العالي الزيني محمود حلبي كاتب جدة المعمورة كان، وعينه أميناً على العمارة الشريفة، وجعل الناظر على العمارة الجناب العالي السيد أحمد الرفاعي شيخ الحرم الشريف النبوي، وجهزت الجمال والبهايم نحو ماية جمل وماية بهيم صحبة أمير الحج الركب المصري، وجهزت الغلال من القمح والشعير والفول من البحر على ظهر المراكب الشريفة إلى أن وصلت إلى الينبوع، وكان وصوله ذلك كله في غرة سنة تسع وثلاثين وتسعماية وكان المهندس على العمارة المذكورة المعلم علي بن الصياد والمعلم عبد القادر القليوبي، وكان جملة البناين والحجارين والنحاتين والعتالين والنجارين والطوايين والحمالين والترابين أكثر من ثلاثماية نفراً من غير الفعلة وتوابعهم وكان (4) في خدمة العمارة الشريفة من المماليك السلطانية نحو خمسون نفراً منها أرباب الخيل نحو خمسة وعشرين نفراً والباقون رماة بالبندق والقوس، ثم إنهم شرعوا في هدم سور المدينة المنورة، فأول ما هدم باب سويقة غربي المدينة المسمى بباب المصري، ثم هدم أعالي الجدار الغربي من السور من الباب الصغير الشامي إلى باب سويقة المذكورة، ثم باب سويقة إلى الركن القبلي وطول ذلك سبعماية وأربعة عشر ذراعاً بذراع العمل، وإنما لم يهدم إلى أساسه، لأن الجدار المذكور جدده الملك الأشرف قايتباي وبناه بالحجر إلى أعالي العقود التي من خلفه من داخل المدينة المنورة وبنى أعاليه باللبن فهدموا اللبن المذكور وعرضوه بالآجر، ورمموا ما احتاج فيه إلى الترميم ثم إنهم هدموا الباب الصغير الشامي والباب الكبير الشامي، وشرعوا في بناء الباب المصري

الصفحة 86